الإهلال، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته (1).
(١) أخرجه البخاري في كتاب الطهارة، باب (٣٠) غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على الخفين، حديث رقم (١٦٦)، وكتاب الحج باب (٢) قول الله تعالى: (يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم) (الحج: ٢٧)، حديث رقم (١٥١٤)، باب (٢٨) من أهل حين استوت راحلته قائمة، حديث رقم (١٥٥٢)، باب (٩) من لم يستلم إلا الركنين اليمانين، حديث رقم (١٦٠٨)، (١٦٠٩)، كتاب الجهاد والسير، باب (53) الركاب والغرز للدابة، حديث رقم (2865)، كتاب اللباس، باب (37) النعال السبتية وغيرها، حديث رقم (5851).
ومسلم في كتاب الحج، باب (5) الإهلال من حيث تنبعث الراحلة، حديث رقم (1187).
وأبو داود في (السنن)، كتاب المناسك، باب (21) في وقت الإحرام، حديث رقم (1772)، كتاب الترجل، باب (19) ما جاء في خضاب الصفرة، حديث رقم (4210).
والنسائي في (السنن)، كتاب الطهارة، باب (95) الوضوء في النعل، حديث رقم (117)، كتاب الزينة، باب (65)، تصفير اللحية، حديث رقم (5258)، كتاب الحج، باب (56)، العمل في الإهلال، حديث رقم (2757)، (2758)، (2759).
والترمذي في (الشمائل)، باب (11) ما جاء في نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (79).
وابن ماجة في (السنن)، كتاب اللباس، باب (34) الخضاب بالصفرة، حديث رقم (3626).
ومالك في (الموطأ، كتاب الحج، باب العمل في الإهلال، حديث رقم (738).
وابن سعد في (الطبقات): 1 / 482 في ذكر نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم " النعال السبتية " بكسر السين المهملة وسكون الموحدة ففوقية، أي التي لا شعر فيها، مشتق من السبت وهو الحلق، قاله الأزهري، أو لأنها سبتت بالدباغ أي لانت.
قال أبو عمرو الشيباني: السبت كل جلد مدبوغ. وقال أبو زيد: جلود البقر مدبوغة أم لا، أو نوع من الدباغ يقلع الشعر، أو جلد البقر المدبوغ بالقرظ. وقيل بالسبت بضم أوله، نبت يدبغ به. قاله صاحب (المنتهى).
وقال الداودي: هي منسوبة إلى موضع يقال له: سوق السبت وقال ابن وهب: كانت سوداء لا شعر فيها، وقيل: هي التي لا شعر عليها أي لون كانت، ومن أي جلد، بأي دباغ دبغت.
وقال عياض في (الإكمال): الأصح عندي أن اشتقاقها وإضافتها إلى السبت الذي هو الجلد المدبوغ أو إلى الدباغة، لأن السين مكسورة، ولو كانت من السبت الذي هو الحلق - كما قال الأزهري وغيره، لكانت النسبة سبتية بالفتح، ولم يروها أحد في هذا الحديث ولا غيره ولا في الشعر فيما علمت إلا بالكسر، وقال: وكان من عادة العرب لبس النعال بشعرها غير مدبوغة، وكانت المدبوغة تعمل بالطائف، ويلبسها أهل الرفاهية.
قوله: " ورأيتك تصبغ " بضم الموحدة، وحكى فتحها وكسرها " بالصفرة " ثوبك أو شعرك، " ورأيتك إذا كنت " مستقرا " بمكة أهل الناس " أي رفعوا أصواتهم بالتلبية للإحرام بحج أو عمرة " إذا رأوا الهلال " أي هلالذي الحجة " ولم تهلل " بلامين بفك الإدغام " أنت حتى يكون " أي يوجد، وفي رواية كان أي وجد " يوم " بالرفع فاعل يكون التامة (غير مضارع كان الناقصة)، والنصب خبر على أنها ناقصة " التروية " ثامن ذي الحجة، لأن الناس كانوا يروون فيه من الماء، أي يحملونه من مكة إلى عرفات ليستعملوه شربا وغيره، وقيل غير ذلك " فتهل أنت " وتبين من جوابه أنه كان لا يهل حتى يركب قاصدا إلى منى.
قوله: " فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمس " وفي رواية: " يستلم " منها " إلا " الركنين " اليمانيين " بالتخفيف لأنهما على قواعد إبراهيم، ومسهما واستلامهما مختلف.
فالعراقي مسه وهو استلامه بالتقبيل لاختصاصه بالحجر الأسود إن قدر وإلا فبيده أو بعود، ثم رضعه على فيه بلا تقبيل.
واليماني مسه بيده، ثم يضعها على فيه بلا تقبيل، ولا يمسه بفيه بخلاف الشاميين، فليسا على قواعد إبراهيم، فلم يمسها فالعلة ذلك.
قال القابسي: لو أدخل الحجر في البيت حتى عاد الشاميان على قواعد إبراهيم استلما.
قال ابن القصار: ولد لما بنى الزبير الكعبة على قواعده استلم الأركان كلها، والذي قاله الجمهور سلفا وخلقا أن الشاميين لا يستلمان.
قال عياض: واتفق عليه أئمة الأمصار والفقهاء، وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين، ثم ذهب.
وقال بعض العلماء: اختصاص الركنين بين بالسنة، ومستند التعميم بالقياس. وأجاب الشافعي عن قول من قال: ليس شئ من البيت مهجور بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا، ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان استلام ما بين الأركان هجرا لها، ولا قائل به.
قوله: " وأما النعال السبتية، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلميلبس النعال التي ليس فيها شعر "، أشار إلى تفسيرها بذلك، وهكذا قال جماهير أهل اللغة والغريب والحديث: أنها التي لا شعر فيها.
قوله: " ويتوضأ فيها " أي النعال، أي يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان، قاله النووي، " فأنا أحب أن ألبسهما " اقتداء به " وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فأنا أحب أن أصبغ بها "، قال المازري: قيل: المراد صبغ الشعر، وقيل: صبغ الثوب، قال: والأشبه الثاني لأنه أخبر أنه صلى الله عليه وسلم صبغ، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صبغ شعره.
قال عياض: وهذا أظهر الوجهين، وقد جاءت آثار عن ابن عمر بين فيها تصفير ابن عمر لحيته، واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصفر لحيته بالورس والزعفران. رواه أبو داود، وذكر أيضا في حديث آخر احتجاجه بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها ثيابه حتى عمامته.
وأجيب عن الأول باحتمال أنه كان مما يتطيب به، لا أنه كان يصبغ بها شعره.
وقال ابن عبد البر: لم يكن صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة إلا ثيابه، وأما الخضاب فلم يكن يخضب، وتعقبه في (المفهم) بأن في سنن أبي داود عن أبي رمثة قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة ردع من حناء، وعليه بردان أخضران. قال الولي العراقي: وكان ابن عبد البر إنما أراد نفى الخضاب في لحيته صلى الله عليه وسلم فقط.
قوله: وأما الإهلال فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته "، أي تستوى قائمة إلى طريقه، قال المازري: ما تقدم جواباته نص في عين ما سئل عنه، ولما لم يكن عنده نص في الرابع أجاب بضرب من القياس، ووجه أنه لما رآه في حجة من غير مكة إنما يهل عند الشروع في الفعل أخر هو إلى يوم التروية، لأنه الذي يبتدأ فيه بأعمال الحج من الخروج إلى منى وغيره.
وقال القرطبي: أبعد من قال: هذا قياس، بل تمسك بنوع الفعل الذي رآه يفعله، وتعقب بأن ابن عمر ما رآه أحرم من مكة يوم التروية كما رآه استلم الركنين اليمانيين فقط، بل رآه أحرم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته، فقاس الإحرام من مكة على الإحرام من الميقات، لأنها ميقات الكائن بمكة فأحرم يوم التروية، لأنه يوم التوجه إلى منى، والشروع في العمل قياسا على إحرامه صلى الله عليه وسلم من الميقات حين توجه إلى مكة، فالظاهر قول المازري.
وقد قال ابن عبد البر: جاء ابن عمر بحجة قاطعة نزع بها، فأخذ بالعمورم في إهلاله صلى الله عليه وسلم، ولم يخص مكة من غيرها، فكأنه قال: لا يهل الحاج إلا في وقت يتصل له عمله وقصده إلى البيت ومواضع المناسك والشعائر، لأنه صلى الله عليه وسلم أهل واتصل له عمله، ووافق ابن عمر على هذا جماعة من السلف، ربه قال الشافعي وأصحابه، وهو رواية مالك. والرواية الأخرى: والأفضل أن يحرم من أول ذي الحجة.
قال عياض: وحمل شيوخنا رواية استحباب الإهلال يوم التروية على من كان خارجا من مكة، وراوية استحبابه أول الشهر على من كان في مكة، وهو قول أكثر الصحابة والعلماء، ليحصل له من الشعث ما يساوي من أحرم من الميقات.
قال النووي: والخلاف في الاستحباب وكل منهما جائز بالإجماع، وكلام القاضي وغيره يدل ذلك.
قال ابن عبد البر: في الحديث دليل على أن الاختلاف في الأفعال والأقوال والمذاهب، كان موجودا في الصحابة، وهو عند العلماء أصح ما يكون من الاختلاف، وإنما اختلفوا بالتأويل المحتمل فيما سمعوه ورأوه، وفيما انفرد بعضهم بعلمه دون بعض، وما أجمع عليه الصحابة واختلط فيه من بعدهم، فليس اختلافهم بشئ.
وفيه أن الحجة عند الاختلاف السنة، وأنها حجة على من خالفها، وليس من خالفها حجة عليها، ألا ترى أن ابن عمر لهم يستوحش من مفارقة أصحابه، إذ كان عنده في ذلك علم من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل له ابن جريج: الجماعة أعلم به منك، ولعلك وهمت كما يقول اليوم من لا علم به، بل انقاد للحق إذ سمعه، وهكذا يلزم الجميع. (شرح العلاقة الزرقاني على موطأ الإمام مالك) 2 / 329 - 332.