ومسلم (1) من حديث أبي إسحاق عن البراء، فذكر حديث حنين وفيه:
(١) (مسلم بشرح النووي): ١٢ / ٣٦٠ - ٣٦١، كتاب الجهاد والسير، باب (٢٨) في غزوة حنين، حديث رقم (١٧٧٦)، قوله صلى الله عليه وسلم:
أنا النبي لا كذب * أنا ابن عبد المطلب قال القاضي عياض: قال المازري: أنكر بعض الناس كون الرجز شعرا لوقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم، مع قوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) وهذا مذهب الأخفش، واحتج به على فساد مذهب الخليل في أنه شعر، وأجابوا عن هذا بأن الشعر هو ما قصد إليه، واعتمد الإنسان أن يوقعه موزونا مقفى، يقصده إلى القافية.
وهكذا الجواب عما في القرآن من الموزون، كقوله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون).
وقوله تعالى: (نصر من الله وفتح قريب)، ولا شك أن هذا لا يسميه أحد من العرب شعرا، لأنه لم تقصد تقفيته وجعله شعرا.
قال الإمام النووي: وقد قال الإمام أبو القاسم علي بن أبي جعفر بن علي السعدي الصقلي المعروف بابن القطاع في كتابة (الشافي في علم القوافي): قد رأى قوم - منهم الأخفش وهو شيخ هذه الصناعة بعد الخليل - أن مشطورا الرجز ومنهوكه ليس بشعر، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: الله مولانا ولا مولى لكم، وقوله صلى الله عليه وسلم: هل أنت إلا أصبع دميدت، وفي سبيل الله ما لقيت، وقوله صلى الله عليه وسلم: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، وأشباه ذلك.
قال ابن القطاع: وهذا الذي زعمه الأخفش وغيره غلط بين، وذلك لأن الشاعر إنما سمي شاعرا لوجوه (ذكرها الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم فلتراجع هنالك).
فإن قيل: كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب فانتسب إلى جده دون أبيه وافتخر بذلك، مع أن الافتخار في حق أكثر الناس من عمل الجاهلية؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر لأن أباه عبد الله توفي شابا في حياة أبيه عبد المطلب، قبل اشتهار عبد الله، وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ظاهرة شائعة، وكان سيد أهل مكة، وكان كثير من الناس يدعون الناس صلى الله عليه وسلم ابن عبد المطلب ينسبونه إلى جده لشهرته.
ومنه حديث همام بن ثعلبة في قوله: أيكم ابن عبد المطلب؟ وقد كان مشتهرا عندهم أن عبد المطلب بشر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه سيظهر، وسيكون شأنه عظيما، وكان قد أخبره بذلك سيف ابن ذي يزن.
وقيل: إن عبد المطلب رأى رؤيا تدل على ظهور النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك مشهورا عندهم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم تذكيرهم بذلك، وتنبيههم بأنه صلى الله عليه وسلم لا بد من ظهوره على الأعداء، وأن العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضا بأنه ثابت، ملازم للحرب، لم يول مع من ولى، وعرفهم موضعه، ليرجع إليه الراجعون. والله تعالى أعلم.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " أنا النبي لا كذب "، أي أنا النبي حقا، فلا أفر ولا أزول، وفي هذا دليل على جواز قول الإنسان في الحرب: أنا فلان، وأنا ابن فلان، ومثله قول سلمة: أنا ابن الأكوع، وقول علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة، وأشباه ذلك.
وقد صرح بجوازه علماء السلف، وفيه حديث صحيح، قالوا: وإنما يكره ذلك على وجه الافتخار كفعل الجاهلية، والله تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي): 12 / 361 - 363 مختصرا.