يضرب عنه الناس. فهذا إثبات أنه عليه السلام طاف في حجة الوداع على بعير ولكن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف الأول طواف القدوم والثاني طواف الإفاضة وهو طواف الفرض وكان يوم النحر والثالث طواف الوداع فلعل ركوبه صلى الله عليه وسلم كان في أحد الآخرين أو في كليهما. فأما الأول وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه. وقد نص الشافعي على هذا كله. والله أعلم وأحكم. والدليل على ذلك ما قال الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه السنن الكبير: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو بكر محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى، ثنا الفضل بن محمد بن المسيب، ثنا نعيم بن حماد، ثنا عيسى بن يونس، عن محمد بن إسحاق هو - ابن يسار رحمه الله - عن أبي جعفر وهو محمد بن علي بن الحسين، عن جابر بن عبد الله قال: دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى فأتى النبي صلى الله عليه وسلم باب المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه وفاضت عيناه بالبكاء ثم رمل ثلاثا ومشى أربعا حتى فرغ فلما فرغ قبل الحجر ووضع يده عليه ومسح بهما وجهه. وهذا إسناد جيد. فأما ما رواه أبو داود: حدثنا مسدد، ثنا خالد بن عبد الله، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته، فلما أتى على الركن استلمه بمحجن، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين. تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف. ثم لم يذكر أنه في حجة الوداع ولا ذكر أنه في الطواف الأول من حجة الوداع ولم يذكر ابن عباس في الحديث الصحيح عنه عند مسلم. وكذا جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب في طوافه لضعفه. وإنما ذكر لكثرة الناس وغشيانهم له وكان لا يحب أن يضربوا بين يديه كما سيأتي تقريره قريبا إن شاء الله. ثم هذا التقبيل الثاني الذي ذكره ابن إسحاق في روايته بعد الطواف وبعد ركعتيه أيضا ثابت في صحيح مسلم من حديث جابر. قال فيه بعد ذكر صلاة ركعتي الطواف ثم رجع إلى الركن فاستلمه. وقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وابن نمير جميعا عن أبي خالد قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عبيد الله عن نافع. قال:
رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده، ثم قبل يده قال وما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
فهذا يحتمل أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطوافات أو في آخر استلام فعل هذا لما ذكرنا. أو أن ابن عمر لم يصل إلى الحجر لضعف كان به أو لئلا يزاحم غيره فيحصل لغيره أذى به. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوالده ما رواه أحمد في مسنده: حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن أبي يعفور العبدي.
قال: سمعت شيخا بمكة في إمارة الحجاج يحدث عن عمر بن الخطاب. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر. وهذا إسناد جيد لكن راويه عن عمر مهم لم يسم والظاهر أنه ثقة جليل. فقد رواه الشافعي عن سفيان بن عيينة عن أبي يعفور العبدي واسمه وقدان سمعت رجلا من خزاعة حين قتل ابن الزبير وكان أميرا على مكة يقول: قال رسول الله لعمر يا أبا حفص إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذي الضعيف ولكن إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فكبر وامض.