راسل صلاح الدين في الصلح، وأظهر من ذلك ضد ما كان يظهره أولا فلم يجبه صلاح الدين إلى ما طلب ظنا منه أنه يفعل ذلك خديعة ومكرا وأرسل يطلب منه المصاف والحرب فأعاد الفرنجي رسله مرة بعد مرة وترك تتمة عمارة عسقلان و [تخلي] عن غزة والداروم والرملة وأرسل إلى الملك العادل في تقرير هذه القاعدة فأشار هو وجماعة الأمراء بالإجابة إلى الصلح وعرفوه ما عند العسكر من الضجر والملل وما قد هلك من أسلحتهم ودوابهم ونفد من نفقاتهم وقالوا إن هذا الفرنجي إنما طلب الصلح ليركب البحر ويعود إلى بلاده فإن تأخرت إجابته إلى ان يجيء الشتاء وينقطع الركوب في البحر نحتاج نبقى ههنا سنة أخرى وحينئذ يعظم الضرر على المسلمين.
وأكثروا القول له في هذا المعنى فأجاب حينئذ إلى الصلح فحضر رسل الفرنج وعقدوا الهدنة وتحالفوا على هذه القاعدة وكان في جملة من حضر عند صلاح الدين باليان بن بارزان الذي كان صاحب الرملة ونابلس فلما حلف صلاح الدين قال له ما عمل أحد في الإسلام [مثل] ما عملت ولا هلك من الفرنج مثل ما هلك منهم هذه المدة فإننا احصينا من خرج إلينا في البحر من المقاتلة فكانوا ستمائة ألف رجل ما عاد منهم إلى بلادهم من كل عشرة واحد بعضهم قتلتهم أنت وبعضهم مات وبعضهم غرق.
ولما انفصل أمر الهدنة أذن صلاح الدين للفرنج في زيارة بيت المقدس فزاروه وتفرقوا وعادت كل طائفة إلى بلادها وأقام بالساحل الشامي ملكا على الفرنج والبلاد إلي بأيديهم الكندهري وكان خير الطبع قليل الشر رفيقا بالمسلمين محبا لهم وتزوج بالملكة التي كانت تملك بلاد الفرنج قبل أن يملكها صلاح الدين كما ذكرناه.
وأما صلاح الدين فإنه بعد تمام الهدنة سار إلى البيت المقدس وأمر