أن صلاح الدين أخذه مغس كان يعتاده فنصب له خيمة صغيرة على تل مشرف على العسكر ونزل فيها ينظر إليهم فسار الفرنج شرقي نهر هناك حتى وصلوا إلى رأس النهر فشاهدوا عساكر الإسلام وكثرتها فارتاعوا لذلك ولقيهم الجالشية وأمطروا عليهم من السهام ما كاد يستر الشمس فلما رأوا ذلك تحولوا إلى غربي النهر ولزمهم الجالشية يقاتلونهم والفرنج قد تجمعوا ولزم بعضهم بعضا وكان غرض الجالشية أن تحمل الفرنج عليهم فيلقاهم المسلمون ويلتحم القتال فيكون الفصل ويستريح الناس وكان الفرنج قد ندموا على مفارقة خنادقهم فلزموا مكانهم وباتوا ليلتهم تلك.
فلما كان الغد عادوا نحو عكا ليعتصموا بخندقهم والجالشية في أكتافهم يقاتلونهم تارة بالسيوف وتارة بالرماح وتارة بالسهام وكلما قتل من الفرنج قتيل أخذوه معهم لئلا يعلم المسلمون ما أصابهم فلولا ذلك الألم الذي حدث بصلاح الدين لكانت هي الفصل وإنما لله أمر هو بالغه فلما بلغ فلما بلغ الفرنج خلقا كثيرا.
وفي الثالث والعشرين من شوال أيضا كمن جماعة من المسلمين وتعرض للفرنج جماعة أخرى فخرج إليهم أربعمائة فارس فقاتلهم المسلمون شيئا من قتال وتطاردوا لهم وتبعهم الفرنج حتى جازوا الكمين فخرجوا عليهم فلم يفلت منهم أحد.
واشتد الغلاء على الفرنج حتى بلغت غرارة الحنطة أكثر من مائة دينار صوري فصبروا على هذا وكان المسلمون يحملون إليهم الطعام من البلدان منهم الأمير اسامة مستحفظ بيروت كان يحمل الطعام وغيره ومنهم سيف الدين علي بن أحمد المعروف بالمشطوب كان يحمل من صيدا أيضا