وأما الملك الكامل فإنه أقام بالقرب منهم في أطراف بلاده يحميها منهم.
ولما سمع الفرنج في بلادهم بفتح دمياط على أصحابهم اقبلوا يهرعون من كل فج عميق وأصبحت دار هجرتهم وعاد الملك المعظم صاحب دمشق إلى الشام فخرب البيت المقدس في ذي القعدة من السنة وإنما فعل ذلك لأن الناس كافة خافوا الفرنج وأشرف الإسلام وكافة أهله وبلاده على خطة خسف في شرق الأرض وغربها وأقبل التتر من المشرق حتى وصلوا إلى نواحي العراق وأذربيجان وأران وغيرها على ما نذكره إن شاء الله تعالى؛ واقبل الفرنج من المغرب فملكوا مثل دمياط في الديار المصرية مع عدم الحصون المانعة بها من الأعداء وأشرف على سائر البلاد بمصر والشام وصاروا يتوقعون البلاء صباحا ومساء.
وأراد أهل مصر الجلاء عن بلادهم خوفا من العدو ولات حين مناص والعدو قد أحاط بهم من كل جانب ولو مكنهم الكامل من ذلك لتركوا البلاد خاوية على عروشها وإنما منعوا منه فثبتوا.
وتابع الملك الكامل كتبه إلى أخويه المعظم صاحب دمشق والملك الأشرف موسى بن العادل صاحب ديار الجزيرة وأرمينية وغيرهما يستنجدهما ويحثهما على الحضور بأنفسهما فإن لم يمكن فيرسلان العساكر إليه فسار صاحب دمشق إلى الأشرف بنفسه فرآه مشغولا عن إنجادهم بما دهمه من اختلاف الكلمة عليه وزوال الطاعة عن كثير ممن كان يطيعه ونحن نذكر ذلك سنة خمس عشرة وستمائة إن شاء الله عند وفاة الملك القاهر صاحب الموصل فليطلب من هناك فعذره وعاد عنه وبقي الأمر كذلك مع الفرنج.