يوم عليهم عند أبواب البلد وعلى شاطئ دجلة وعزم عسكر الخليفة على أن يكسبوا عسكر السلطان فغدر بهم الأمير أبو الهيجاء الكردي صاحب إربل وخرج كأنه يريد القتال فالتحق هو وعسكره بالسلطان.
وكان السلطان قد أرسل إلى عماد الدين بواسط يأمره أن يحضر هو بنفسه ومعه المقاتلة في السفن وعلى الدواب في البر فجمع كل سفينة في البصرة وإلى بغداد وشحنها بالرجال المقاتلة وأكثر من السلاح وأصعد فلما قارب بغداد أمر كل من معه في السفن وفي البر بلبس السلاح وإظهار ما عندهم من الجلد والنهضة فسارت السفن في الماء والعسكر في البر على شاطئ دجلة قد انتشروا وملؤوا الأرض برا وبحرا فرأى الناس منظرا عجيبا كبر في أعينهم وملأ صدورهم، وركب السلطان والعسكر إلى لقائهم فنظروا إلى ما [لم] يروا مثله وعظم عماد الدين في أعينهم وعزم على قتال بغداد حينئذ والجد في ذلك في البر والماء فلما رأى الإمام المسترشد بالله الأمر على هذه الصورة وخروج الأمير أبي الهيجاء من عنده أجاب إلى الصلح وترددت الرسل بينهما فاصطلحا واعتذر السلطان مما جرى وكان حليما يسمع سبه بأذنه فلا يعاقب عليه وعفا عن أهل بغداد جميعهم.
وكان أعداء الخليفة يشيرون على السلطان بإحراق بغداد فلم يفعل وقال لا تساوي الدنيا فعل مثل هذا. وأقام ببغداد إلى رابع شهر ربيع الآخر سنة إحدى وعشرين [وخمسمائة]، وحمل الخليفة من المال إليه كل ما استقرت القاعدة عليه وأهدى له سلاحا وخيلا وغير ذلك فمرض السلطان ببغداد فأشار عليه الأطباء بمفارقتها فرحل إلى همذان فلما وصلها عوفي.