فلما علم دبيس الحال كتب إلى الخليفة يستعطفه ويسأله الرضا عنه فلم يجب إلى ذلك وأخرجت خيام الخليفة في العشرين من ذي الحجة من سنة ست عشرة فنادى أهل بغداد النفير النفير الغزاة الغزاة وكثر الضجيج من الناس وخرج منهم عالم كثير لا يحصون كثرة وبرز الخليفة رابع عشرة ذي الحجة وعبر دجلة وعليه قباء وعمامة سوداء وطرحه وعلى كتفه البردة وفي يده القطيب وفي وسطه منطقة حديد صيني ونزل الخيام ومعه وزير نظام الدين أحمد بن نظام الملك ونقيب الطالبيين ونقيب النقباء علي بن طراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل وغيرهم من الأعيان.
وكان البرسقي قد نزل بقرية جهار طاق ومعه عسكره فلما بلغهم خروج الخليفة عن بغداد عادوا إلى خدمته، فلما رأوا الشمسة ترجلوا بأجمعهم وقبلوا الأرض بالبعد منه.
ودخلت هذه السنة فنزل الخليفة مستهل المحرم بالحديثة بنهر الملك واستدعى البرسقي والأمراء واستحلفهم على المناصحة في الحرب ثم سروا إلى النيل ونزلوا بالمباركة وعبى البرسقي أصحابه ووقف الخليفة من وراء الجميع في خاصته وجعل دبيس أصحابه صفا واحدا ميمنة وميسرة وقلبا وجعل الرجالة بين يدي الخيالة بالسلاح وكان قد وعد أصحابه بنهب بغداد وسبي النساء فلما تراءت الفئتان بادر أصحاب دبيس وبين أيديهم الإماء يضربن بالدفوف والمخانيث بالملاهي ولم ير في عسكر الخليفة غير قارىء ومسبح وداع فقامت الحرب على ساق.
وكان مع أعلام الخليفة الأمير كرباوي بن خراسان، وفي المساقة سليمان بن مهارش، وفي ميمنة عسكر البرسقي الأمير أبو بكر بن إلياس مع الأمراء البكجية فحمل عنتر بن أبي العسكر في طائفة من عسكر دبيس على ميمنة