ثم سار إلى حصن زردنا فحصره وفعل بأهله مثل الأثارب فلما سمع أهل منبج بذلك فارقوها خوفا من الفرنج وكذلك أهل بالس وقصد الفرنج البلدين فرأوهما وليس بهما أنيس فعادوا عنهما.
وسار عسكر من الفرنج إلى مدينة صيدا فطلب أهلها منهم الأمان فأمنوهم وتسلموا البلد فعظم خوف المسلمين منهم وبلغت القلوب الحناجر وأيقنوا باستيلاء الفرنج على سائر الشام لعدم الحامي له والمانع عنه فشرع أصحاب البلاد الإسلامية بالشام في الهدنة معهم فامتنع من الإجابة إلا على قطيعة يأخذونها إلى مدة يسيرة فصالحهم الملك رضوان صاحب حلب على اثنين وثلاثين ألف دينار وغيرها من الخيول والثياب وصالحهم صاحب صور على سبعة آلاف دينار وصالحهم ابن منقذ صاحب شيزر على أربعة آلاف دينار وصالحهم علي الكردي صاحب حماة على ألفي دينار، وكانت مدة الهدنة إلى وقت إدراك الغلة وحصادها.
ثم إن مراكب أقلعت من ديار مصر فيها التجار ومعهم الأمتعة الكثيرة فوقع عليها مراكب الفرنج فأخذوها وغنموا ما معا لتجار وأسروهم فسار جماعة من أهل حلب إلى بغداد مستنفرين على الفرنج فلما وردوا بغداد اجتمع معهم خلق كثير من الفقهاء وغيرهم فقصدوا جام السلطان واستغاثوا ومنعوا من الصلاة وكسروا المنبر فوعدهم السلطان إنفاذ العساكر للجهاد وسير من دار الخلافة منبرا إلى جامع السلطان فلما كان الجمعة الثانية قصدوا جامع القصر بدار الخلافة ومعهم أهل بغداد فمنعهم حاجب الباب من الدخول فغلبوه على ذلك ودخلوا الجامع وكسروا شباك المقصورة،