أبى بكر، ثم أخذوا في فضل عمر بن الخطاب، فلما سمع عبد الله بن عباس بكى بكاء شديدا حتى أغمى عليه، ثم أفاق فقال: رحم الله رجلا لم تأخذه في الله لومة لائم، رحم الله رجلا قرأ القرآن وعمل بما فيه وأقام حدود الله كما أمر، لم يزد عن القريب لقرابته، ولم يخف عن البعيد لبعده. ثم قال: والله لقد رأيت عمر وقد أقام الحد على ولده فقتله فيه. ثم بكى وبكى الناس من حوله وقلنا: يا ابن عم رسول الله إن رأيت أن تحدثنا كيف أقام عمر على ولده الحد. فقال: والله لقد أذكرتموني شيئا كنت له ناسيا. فقلت: قسمنا عليك بحق المصطفى أما حدثتنا.
فقال: معاشر الناس، كنت ذات يوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب جالس والناس حوله يعظهم ويحكم فيما بينهم، فإذا نحن بجارية قد أقبلت من باب المسجد، فجعلت تتخطى رقاب المهاجرين والأنصار حتى وقفت بإزاء عمر فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال عمر:
وعليك السلام يا أمة الله، هل من حاجة؟ فقالت: نعم أعظم الحوائج إليك، خذ ولدك هذا منى فأنت أحق به منى. ثم رفعت القناع فإذا على يدها طفل.
فلما نظر إليه عمر قال: يا أمة الله أسفري عن وجهك. فأسفرت. فأطرق عمر وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، يا هذه أنا لا أعرفك، فكيف يكون هذا ولدى؟ فبكت الجارية حتى بلت خمارها بالدموع، ثم قالت: يا أمير المؤمنين إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولد ولدك. قال:
أي أولادي؟ قالت: أبو شحمة. قال: أبحلال أم بحرام؟ قالت: من قبلي بحلال ومن جهته بحرام. قال عمر: وكيف ذاك؟ قالت: يا أمير المؤمنين اسمع مقالتي فوالله ما زدت عليك حرفا ولا نقصت. فقال لها: اتقى الله ولا تقولي إلا الصدق. قالت: يا أمير المؤمنين كنت في بعض الأيام مارة في بعض حوائجي إذ مررت بحائط لبنى النجار، فإذا أنا بصائح يصيح من ورائي، فإذا أنا بولدك أبى شحمة يتمايل سكرا، وكان قد شرب عند نسيكة اليهودي، فلما