الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم - ج ٢ - الصفحة ١٦٢
باب الحاء حذيفة ابن اليمان العبسي، أبو عبد الله (1) حليف الأنصار، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله صحابي ابن صحابي، شهد مع النبي (ص) (أحدا) هو وأبوه: حسل - أو حسيل - بن جابز بن اليمان. وقتل أبوه - يومئذ - قتله المسلمون خطأ يحسبونه من العدو - وحذيفة يصيح بهم - فلم يفقهوا قوله حتى قتل. فلما رأى حذيفة: أن أباه قد قتل استغفر للمسلمين، فقال:
(١) حذيفة بن اليمان بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن ابن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان، أبو عبد الله العبسي، واليمان لقب (حسل) بن جابر، وقال الكلبي: هو لقب جروة بن الحارث، وإنما قيل له (اليمان) لأنه أصاب دما في قومه فهرب إلى المدينة حالف بني عبد الأشهل من الأنصار فسماه قومه (اليمان) لأنه حالف الأنصار، وهم من اليمن.
هكذا قال في نسبه ابن الأثير الجزري في (أسد الغابة) وابن عبد البر في (الاستيعاب في ترجمته) وأما ابن حجر في (الإصابة) والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد) والحاكم في (المستدرك) وابن سعد في (الطبقات الكبرى) فذكروا في نسبه غير ذلك، وأسقطوا بعض الأسماء، فراجعها في ترجمته.
وحذيفة بن اليمان: صحابي من اجلاء الصحابة وخيارهم وعلمائهم وفقهائهم عالم بالكتاب والسنة، وشجعانهم وذوي نجدتهم، قديم الاسلام، شهد المشاهد كلها مع النبي (ص) - عدى بدر - لان المشركين كانوا قد أخذوا عليه عهدا أن لا يقاتلهم، فأمره النبي (ص) بالوفاء لهم، ولكونه من علماء الصحابة كان صاحب = حلقة تجتمع عليه الناس بمسجد الكوفة فيحدثهم ويسألونه فيجيبهم ويفتيهم، ولكونه من فقهائهم سأله سعيد بن العاص في (غزوة طبرستان) عن صلاة الخوف كيف صلاها رسول الله (ص) فعلمه فصلاها المسلمون، ووقع اختلاف في حياة النبي (ص) بين قوم على (خص) فأرسله رسول الله (ص) ليقضي بينهم فقضى أن (الخص) لمن إليه معاقد (القمط) فأمضى ذلك رسول الله (ص) واستحسنه، وجرت به السنة في الاسلام.
وامتاز بمعرفة المنافقين حتى أن عمر بن الخطاب كان يسأله عنهم فلا يخبره وكان صاحب سر رسول الله (ص) أخبره بما كان ويكون إلى يوم القيامة، وأخبره بما يحدث من الفتن بينه وبين قيام الساعة، وأخبره بما كتمه عن غيره من أمثاله من الاسرار، وأحوال الناس والأمور التي يخاف من إبدائها بحيث لو حدث الناس بكل ما يعلم لقتلوه بغاية السرعة ولم يمهلوه، حتى أنه لو مد يده إلى نهر ليشرب وحدثهم لقتل قبل أن تصل يده إلى فمه.
يحدثنا ابن عساكر الدمشقي في تاريخ دمشق (ج ٤ ص ٩٤ - ٩٥) فيقول "... وكان (أي حذيفة) يقول: أنا اعلم الناس فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله (ص) أسر لي شيئا لم يحدث به غيري، ولكن ذكر الفتن في مجلس أنا فيه فذكر ثلاثا لا يدرون شيئا فما بقي من أهل ذلك المجلس غيري، وفي رواية الإمام أحمد: إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة، وما ذلك أن يكون رسول الله (ص) حدثني ذلك سرا أسره إلي لم يكن حدث به غيري، ولكنه قال وهو يحدث في مجلس أنا فيه - وقد سئل عن الفتن وهو يعدها - فقال: فيهم ثلاث لا يدرون شيئا منهن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار، قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري... واخرج ابن مردويه عن حذيفة أنه قال - وهو في مجلس الكوفة - كان ناس يسألون رسول الله (ص) عن الخير وأسأله عن الشر، فنظر إليه الناس - كأنهم ينكرون عليه - فقال لهم: كأنكم أنكرتم ما أقول، كان الناس يسألونه عن القرآن وكان الله قد أعطاني منه علما، فقلت يا رسول الله هل بعد هذا الخير الذي أعطاناه الله من شر، فذكر الحديث " وأخرجه عن البيهقي.
وفى الإصابة لابن حجر العسقلاني (ج ١ ص ٢١٨) بهامشها الاستيعاب "... وروى مسلم عن عبد الله بن يزيد الخطمي عن حذيفة قال: لقد حدثني رسول الله (ص) ما كان وما يكون حتى تقوم الساعة، وفي الصحيحين إن ابا الدرداء قال لعلقمة: أليس فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ - يعني حذيفة -... " وكان حذيفة زاهدا في الدنيا مواليا لعلي عليه السلام، مقدما له.
وقد ذكر المؤرخون ان عمر ولاه المدائن، لكنهم لم يذكروا اي سنة كانت والظاهر أنه ولاه بعد خروج سعد بن أبي وقاص منها سنة ١٧ ه، بناء على أن فتح المدائن كان سنة ١٦ ه، أو ولاه سنة ٢٠ ه بناء على أن فتح المدائن كان سنة ١٩ ه وفي الإصابة لابن حجر: قال العجلي استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوما، ومثله في تاريخ دمشقلابن عساكر، ولما استخلف علي عليه السلام أقام حذيفة على ولايته على المدائن وكتب إليه كتابا بتوليته كما كتب كتابا إلى اهل المدائن حين ولاه، ذكره ذلك الديلمي في ارشاد القلوب (المطبوع) وأمه امرأة من الأنصار من الأوس من بني عبد الأشهل، اسمها:
الرباب بنت كعب بن عدي بن عبد الأشهل، ذكر ذلك ابن عبد البر في (الاستيعاب) ونحوه ابن سعد في (الطبقات) والخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد).
هذه خلاصة أحواله المستقاة من المؤرخين وأرباب المعاجم وقد ذكرها سيدنا المغفور له الحجة السيد المحسن الأمين العاملي في (أعيان الشيعة: ج ٢٠ ص ٢٦٣ - ٢٦٤) وترجم له ترجمة مبسوطة من (ص ٢٤٧ - ٣٤٧) فراجعها.
وترجم له أيضا أبو نعيم الأصفهاني في (حلية الأولياء) فقال: "... العارف بالمحن وأحوال القلوب، والمشرف على الفتن والآفات والعيوب، سأل عن الشر فاتقاه، وتحرى الخير فاقتناه، سكن عند الفاقة والعدم، وركن إلى الإنابة والندم وسبق رنق الأيام والازمان أبو عبد اللهحذيفة بن اليمان، وقد قيل: إن التصوف مرامقة صنع الرحمان، والموافقة مع المنع والحرمان... الخ ".
وترجم له - أيضا - ابن حجر العسقلاني في (تهذيب التهذيب: ج ٢ ص ٢١٩ - ٢٢٠) ومما قال فيه: "... سكن الكوفة، وكان صاحب سر رسول الله (ص) ومناقبه كثيرة مشهورة... وقال عبد الله بن يزيد الخطمي عن حذيفة: لقد حدثني رسول الله (ص) بما كان وما كان ويكون حتى تقوم الساعة، رواه مسلم، وكانت له فتوحات سنة ٢٢ ه في الدينور، وماسبذان، وهمدان، والري، وغيرها ".
ويقول اليافعي في (مرآة الجنان): "... في أول سنة ٣٦ ه توفي حذيفة ابن اليمان أحد الصحابة، أهل النجدة والنجابة، الذي كان يعرف المؤمنين من المنافقين، بالسر الذي خصه به سيد المرسلين، قال: كان الناس يتعلمون الخير من رسول الله (ص) وكنت أتعلم منه الشر مخافة أن أقع فيه ".
وفي (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: ج ١ ص ٤٤) في حوادث سنة ٣٦ ه: " وتوفي في تلك السنة حذيفة بن اليمان العبسي صاحب السر المكنون في تمييز المنافقين، ولذلك كان عمر لا يصلي على ميت حتى يصلي عليه حذيفة، يخشى أن يكون من المنافقين ".
ومثل ذلك ذكر ابن الأثير الجزري في (أسد الغابة في ترجمته) وابن عبد البر في (الاستيعاب) وابن حجر في (الإصابة) والحاكم في (المستدرك: ج ٣ ص ٣٨١) وابن عساكر في (تاريخ دمشق - في ترجمته المبسوطة - ج 4 ص 97) طبع الشام سنة 1332 ه، وغير هؤلاء كثير.
الحسين بن المختار القلانسي: من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام كثير الرواية عنهما. درج أقوال الرجاليين القدماء في توثيقه، حتى الشيخ في (فهرسته) إلا أنه في (رجاله) رماه بالوقف وتبعه ابن شهرآشوب وابن داود والعلامة. واعترض البهائي على الشيخ في ذلك. وبالنتيجة: إثبات توثيقه بعدة مؤيدات