الفوائد الرجالية - السيد بحر العلوم - ج ٢ - الصفحة ١٩٥
وهذا أيضا من محاسنه العلية، فان علو السند في الحديث من مزاياه الجلية.
توفي - رحمه الله - سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. وطبقته من أواخر السادسة إلى أوائل الثامنة.
الحسن ابن شيخنا الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد الشامي العاملي الجبعي (1) علم التحقيق والتدقيق، الجامع بن الرأي الوثيق، واللفظ الرشيق أوحد زمانه علما وعملا وفضلا وأدبا، وأرفعهم ذكرا وشأنا وحسبا ونسبا حقق الفقه والحديث والأصول والرجال أحسن تحقيق وبيان، وصنف فيها التصانيف الجيدة الحسان، التي تزري بقلائد العقيان، وعقود الدر والمرجان

(١) الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن الشيخ زين الدين بن علي بن أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين بن صالح (تلميذ العلامة الحلي) ابن شرف (أو مشرف) العاملي الجبعي - رحمه الله - كانت ولادته بجبع من قرى جبل عامل في (٢٧) شهر رمضان سنة ٩٥٩ ه‍ وتوفي مفتتح المحرم سنة ١٠١١ ه‍، في (جبع) وقبره بها معروف مشهور، لكنه مشرف على الاندراس والدثور.
ترجم له حفيده - ولد ولده - الشيخ علي ابن الشيخ محمد ابن المترجم له في كتابه (الدر المنثور) - مخطوط - ترجمة مفصلة، فقال: " ولد أخوه حسن أبو منصور جمال الدين عشية الجمعة (٢٧) شهر رمضان المعظم سنة ٩٥٩ ه‍، والشمس في ثالث الميزان والطالع العقرب ".
ثم قال - في إطرائه - نقلا عن تكملة أمل الامل لسيدنا الحجة السيد حسن الصدر الكاظمي - رحمه الله -: " كان فاضلا محققا، ومتقنا مدققا، وزاهدا تقيا، وعالما رضيا، وفاضلا ذكيا، بلغ من التقوى والورع أقصاها، ومن الزهد والقناعة منتهاها، ومن الفضل والكمال ذروتها وأسناها (وحق على ابن الصقر أن يشبه الصقرا)، كان لا يحوز أكثر من أسبوع أو شهر - الشك مني فيما نقلته عن الثقات - لاجل القرب إلى مواساة الفقراء، أو البعد عن التشبه بالأغنياء، وشاهدي على حاله وفضله ما حرره من المصنفات، وحققه من المؤلفات، فمن عرفها حق المعرفة أذعن بثبوت دعوى هذه الصفة، كان ينكر كثرة التصنيف مع عدم تحريره ويبذل جهده في تحقيق ما ألفه وتحبيره، تطلع من علوم الحديث والرجال والفقه والأصول، مستغنيا بما يحتاج إليه مما سواها من المعقول والمنقول، كان هو والسيد الجليل السيد محمد ابن أخته (أي صاحب المدارك) - قدس الله روحيهما - كفرسي رهان ورضيعي لبان، وكانا متقاربين في السن، وبقي بعد السيد محمد بقدر تفاوت ما بينهما في السن تقريبا، وكتب على قبر السيد محمد - أي صاحب المدارك - " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " ورثاه بأبيات كتبها على قبره، وهي قوله - وربما كان في بعض الألفاظ تغيير ما -:
لهفي لرهن ضريح صار كالعلم * للجود والمجد والمعروف والكرم قد كان للدين شمسا يستضاء به * محمد ذو المزايا طاهر الشيم سقى ثراه وهناه الكرامة وال‍ * ريحان والروح طرا بارئ النسم والحق أن بينهما فرقا في الدقة والنظر، يظهر لمن تأمل مصنفاتهما، وأن الشيخ حسن كان أدق نظرا وأجمع من أنواع العلوم، وكان كل منهما إذا صنف شيئا يرسل أجزاءه إلى الاخر، وبعد ذلك يجتمعان على ما يوجبه البحث والتقرير، ومثل هذا عزيز وقوعه في أبناء الزمان، وكان إذا رجح أحدهما مسألة وسأل عنها غيره يقول: ارجعوا إليه فقد كفاني مؤنتها.
استشهد والده - قدس سره - في سنة 965 ه‍، بخطه وعندي الشريف ما صورته: مولد العبد الفقير إلى عفو الله وكرمه حسن بن زين الدين بن علي بن أحمد بن جمال الدين بن تقي الدين، عفا الله عن سيئاتهم، وضاعف حسناتهم، في العشر الأخير من شهر الله الأعظم شهر رمضان سنة 959 ه‍ اللهم اختم بخير، فإنك ولي كل خير.
وبخطه أيضا ما لفظه: وبخط والدي - رحمه الله - بعد تواريخ إخوتي ما لفظه:
ولد أخوه حسن أبو منصور جمال الدين عشية الجمعة سابع عشر شهر رمضان المعظم سنة 959 ه‍، والشمس في ثالثة الميزان والطالع زحل، إجعل اللهم خلقتنا إلى خير يامن بيده كل خير.
فيكون سنه الشريف وقت وفاة والده قريبا من ست سنين، وقد تقدم عن السيد علي الصائغ - رحمه الله - أن وفاة والده كانت في رجب.
وقد كان والده - قدس الله روحه، على ما بلغني من مشائخنا وغيرهم - له الاعتقاد التام في المرحوم المبرور العالم العامل السيد علي الصائغ، وأنه كان يرجو من فضل الله - إن رزقه الله ولدا - أن يكون مربيه ومعلمه السيد علي المذكور، فحقق الله رجاه وتولى السيد علي الصائغ والسيد علي بن أبي الحسن - رحمهما الله - تربيته إلى أن كبر وقرأ عليهما خصوصا على السيد علي الصائغ - هو والسيد محمد - (أي صاحب المدارك) أكثر العلوم التي استفادها من والده من معقول ومنقول، وفروع وأصول، وعربية، ولما انتقل السيد علي إلى رحمة الله ورد الفاضل الكامل مولانا عبد الله اليزدي (وهو صاحب حاشية ملا عبد الله المشهورة في المنطق والمطبوعة) تلك البلاد فقرءا عليه في المنطق والمطول وحاشية الخطائي وحاشيته عليها، وقرءا عنده تهذيب المنطق، وكان يكتب عليه حاشيته في تلك الأوقات، وهي عندي بخط الشيخ حسن، وبلغني أن الملا عبد الله كان يقرأ عليهما في الفقه والحديث، ثم سافر - هو والسيد محمد - إلى العراق لعند مولانا أحمد الأردبيلي - قدس الله روحه - فقالا له: نحن ما يمكننا الإقامة مدة طويلة وفريد أن نقرأ عليك على وجه تذكرة إن رأيت ذلك صلاحا، قال: ما هو؟ قالا: نحن نطالع وكل ما نفهمه ما نحتاج معه إلى تقرير، بل نقرأ العبارة ولا نقف، وما يحتاج إلى البحث والتقرير فتكلم فيه، فأعجبه ذلك، وقرءا عنده كتبا في الأصول والمنطق والكلام وعيرها مثل شرح مختصر العضدي، وشرح الشمسية مع الحاشية، وشرح المطالع، وغيره، وكان - قدس الله روحه - يكتب شرحا على الارشاد، ويعطيهما أجزاء منه، ويقول:
انظروا في عبارته وأصلحوا منها ما شئتم فاني أعلم أن بعض عباراتي غير فصيحة.
وانظروا إلى حسن هذه النفس الشريفة. وكان جماعة من تلامذة الملا أحمد يقرؤن عليه شرح مختصر العضدي، وقد مضى لهم مدة طويلة وبقي منه ما يقتضي مدة طويلة حتى يتم، وهما إذا قرءا يتصفحان أوراقا حال القراءة من غير سؤال وبحث، وكان يظهر من تلامذته تبسم على وجه الاستهزاء بهما على النحو من القراءة، فلما عرف ذلك منهم تألم كثيرا، وقال لهم: عن قريب يتوجهون إلى بلادهم وتأتيكم مصنفاتهم وأنتم تقرؤن في (شرح المختصر).
وكان إقامتهما مدة قليلة لا يحضرني قدرها، ولما رجعا صنف الشيخ حسن (المعالم) و (المنتقى) والسيد محمد (المدارك) وذهب بعد ذلك إلى العراق قبل وفاة الملا أحمد - رحمه الله - وطلب الشيخ حسن من الملا احمد شيئا من خطه ليكون عنده ذكرى، فكتب له بعض أحاديث في الصحيفة - التي عندي بخطه - قدر ورقة وكتب في آخرها: كتبه العبد أحمد لمولاه امتثلا لأمره، ورجاء لتذكره، وعدم نسيانه إياه في خلواته، وعقيب صلواته، وفقه الله لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه بمحمد وآله، صلى الله عليه وآله (انتهى).
وفي تلك الورقة بخط الشيخ الجليل الشيخ بهاء الدين - قدس الله روحه - كتب فيها كلمات حكمة، وفي آخرها: كتب هذه الكلمات امتثالا لامر صاحب الكتاب حرس الله مجده، وكتب أقل العباد بهاء الدين الجباعي أصلح الله شأنه، سائلا منه إجراء على خاطره الخطير، وعدم محوه عن لوح ضميره المنير، سيما في محل الإنابات، ومظان الإجابات، وذلك سنة 983 ه‍ (انتهى)، وكان اجتماعهما في (كرك نوح) لما سافر الشيخ بهاء الدين إلى تلك البلاد.
ولما رجع من العراق اشتغل بالتدريس والتصنيف، وقرأ عليه والدي جملة من كتب العلوم، معقولا ومنقولا، وفروعا وأصولا، حتى أنه قرأ عليه شرح الشرائع من أوله إلى أخره - على ما بلغني - والمنتقى، والمعالم، وغيرها، وتخرج عليه وقرأ مدارك السيد محمد، وشرح مختصره عليه، وغير ذلك.
واستفاد من جدي - المرحوم - جماعة كثيرة من الفضلاء مثل السيد نور الدين والشيخ نجيب، والشيخ حسين بن الظهير، وغيرهم، وذكرهم جميعا يحتاج إلى التطويل وجده من جهة أمه الشيخ الكامل الفاضل صاحب الذهن الوقاد، والفكر
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 191 192 193 194 195 195 196 197 204 205 ... » »»
الفهرست