من غير أن يقولوا بعنوان الحديث والرواية، لأنه كان مسلما عندهم، و معلوميتها عندهم مفروغا عنها، وكان علمهم بذلك ضروريا من غير حاجة إلى كتب إما بأنهم سمعوا جميعا بأنفسهم، أو حصل لبعضهم بالتظافر والتسامع، كما حصل العلم بوجود مكة والبصرة.
ولا شك في أنه ما كان بيد كل واحد منهم دواة وقلم حتى يكتب جميع ما يسمع، بل المدار كان على الحفظ في الأذهان والعمل بالأركان والمعروفية والمعهودية بينهم كذلك كما هو الحال في كل مكان وزمان إلى الان، سيما بالنسبة إلى ضروريات الدين و الايمان، فإنه من جهة البداهة لا يكتب، ولا يضبط ولا يثبت كما هو الشأن في جميع الأمور البديهية أنها لا تكتب، ولا تثبت إلا ما ندر من جهة تقريب وداع بالنسبة إلى ذلك النادر، ولذلك نرى فقهاءنا المتقدمين والمتأخرين ما كتبوا جميع ضروريات الدين والمذهب.
نعم تعرضوا لذكر نادر منه من جهة تقريب وداع، كما تعرضنا لذكر بعض في الفائدة السابقة، ومع ذلك ليس اعتماد الذاكر واعتمادنا على ذكره، ووجوده كعدمه، ولا تفاوت بينه وبين ما لم يذكر، بل العوام أيضا يعرفون مطمئنين، ولذا لم يتحقق في مثله اجتهاد ولا تقليد، ومنكره كافر.
ومما ينبه عليه: أن أمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وشيعة الأئمة عليهم السلام - مع كونهم من الكثرة بحيث ملئت الأمصار منهم - لم يرووا كلهم عنهم، بل ولم يرو من كل آلاف منهم إلا واحد، وذلك الواحد أيضا لم يرو جميع فقهه، بل روى قليلا، ولذا فقهنا من مجموع روايات مجموعهم.
ومما يشير أيضا تتبع الأحاديث، حيث يظهر منها أن الأئمة عليهم السلام حين ما ألقوا إلى راو حكما ما كانوا يستوعبون جميع أحكام المسألة، بل إلقاؤهم على وجه أن الراوي كان يعرف الباقي، وكذلك يظهر من أسئلة