بهذه الاجماعات حصل لنا من غير حديث أو آية، بل بالوجدان نجد بالبديهة أن منشأ هذا العلم ليس إلا التظافر والتسامح، وغير خفي على المتتبع الماهر المطلع أن كل واحد واحد من الاجماعات لم يصل إلى حد البداهة، بحيث يكون المتأمل فيه كافرا، ويكون بحيث لا يقبل الاجتهاد والتقليد بل يكون العامي والفقيه حالهما واحدا في العلم به كما هو حال الضروري.
على أنه إذا جاز أن يحصل من اتفاق المسلمين أو الشيعة العلم إلى حد الضرورة، فحصول العلم الذي لم يبلغ إلى حد الضرورة بطريق أولى، لان هذا العلم مقدم رتبة على الضروري، فتجويز حصول العلم البديهي من الاتفاق دون العلم النظري فيه ما فيه، والمجوز لحصول الضروري من الاتفاق دون ما هو أضعف من الضروري مكابر عنود منكر للبديهة كما هو غير خفي، وصرح أستاذ الكل في الكل في (شرح الدروس) أن العلم الضروري في كثير من الاحكام حاصل للعلماء والعوام، فإذا جاز أن يصل إلى حد الضرورة للعوام والخواص قطعا فأي استبعاد في أن يصل إلى حد يحصل القطع أو الظن للخواص أو لبعضهم؟ انتهى ووافقه على ذلك غير واحد من المحققين، مع أنه بديهي، فلا يحتاج إلى الاستشهاد.
فما يحصل من الاتفاق على درجات أعلاها البداهة للخواص و العوام، ويسمى الضروري - ضروري الدين، أو المذهب - وقد عرفت الفرق بينهما ويسمى بالاجماع أيضا. وأوسطها العلم للخواص و يسمى بالاجماع. وأدناها الظن، ويسمى بالشهرة - وسنذكرها - و الاجماع المنقول بخبر الواحد الذي هو إجماع ظني.