بالتعارض بين حديث الفأرة ورواية العذرة لا نجعل اختصاص كل بما دل عليه وجها للجمع ونحكم بفساد ذلك قطعا.
وبالجملة جميع ما ذكرنا واضح وكذا كون المدار في الفقه على أمثال ما ذكرنا ليس بخفي على من له أدنى فطانة.
فظهر مما ذكرنا أنه يحرم التعدي عن النصوص جزما ويحرم عدم التعدي أيضا جزما ويحرم مخالفة النصوص جزما ويحرم عدم المخالفة جزما، فلا بد للمجتهد من معرفة المقامين، وتمييزهما و معرفة دليل التعدي، حتى يكون مجتهدا، لما عرفت أن الحجة ظن المجتهد لا غير، وأن المجتهد لا بد من أن يعلم أن فتواه حق، حتى لا يدخل النار.
وعدم الفرق بين المقامين أعظم خطرا على المجتهد، فلو كان أحد لم يفرق، ولم يعرف ما به الفرق يخرب في الدين تخريبات كثيرة من أول الفقه إلى آخره، إذ ربما لا يتفطن بدليل التعدي فيترك التعدي، أو دليل المخالفة فيتركها، زعما منه أنه تعد حرام، ومخالفة حرام، وربما يعكس الامر فيتعدى في الموضع الذي لا يجوز تعديه قياسا له بما يجب فيه التعدي، وكذا المخالفة، كما وجدنا غير واحد من العلماء أنهم يفعلون كذلك.
ثم اعلم أن التعدي المعتبر عند الفقهاء كثير، كما ذكرناه سابقا، وذكرنا أيضا في الحاشية التي كتبناها على ديباجة المفاتيح فلاحظ. و نشير إلى بعض هنا أيضا، ونقول:
إن التعدي ربما يكون بعد ملاحظة أمر، مثل القياس المنصوص العلة،، ومثل التلازم بين الحكمين، مثل قوله: (إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت