ثم إن بعض أعاظم العصر قد أجاب عنه بكلام طويل ونحن نذكر خلاصة مرماه فنقول قال قدس سره، ان الموارد التي نقول فيها بالتخيير مع عدم قيام دليل عليه بالخصوص لا تخلو عن أحد أمرين اما لاقتضاء الدليل الدال على الحكم، التخيير في العمل، واما اقتضاء المنكشف والمدلول ذلك وإن كان الدليل يقتضى التعيينية فمن الأول ما إذا ورد عام كقوله:
أكرم العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو عن العام وشك في أن خروجهما هل هو على وجه طلاق، أو ان خروج كل واحد مشروط بحال الاكرام الآخر بحيث يلزم من خروج أحدهما دخول الاخر فيدور الامر بين كون المخصص افراديا وأحواليا، أو احواليا فقط فلابد من القول بالتخيير، وانما نشأ ذلك من اجتماع دليل العام واجمال المخصص ووجوب الاقتصار على القدر المتيقن في التخصيص وليس التخيير لأجل اقتضاء المجعول بل المجعول في كل من العام والخاص هو الحكم التعييني، والتخيير نشأ من ناحية الدليل لا المدلول، ومن الثاني ما إذا تزاحم الواجبان في مقام الامتثال لعدم القدرة على الجمع بينهما فان التخيير في باب التزاحم انما هو لأجل ان المجعول في باب التكاليف معنى يقتضى التخيير لاعتبار القدرة في امتثالها، والمفروض حصول القدرة على امتثال كل من المتزاحمين عند ترك الاخر وحيث لا ترجيح في البين وكل تكليف يستدعى نفى الموانع عن متعلقه، وحفظ القدرة عليه، فالعقل يستقل (ح) بصرف القدرة في أحدهما تخييرا، اما لأجل تقييد التكليف في كل منهما بحال عدم امتثال الاخر، واما لأجل سقوط التكليفين واستكشاف العقل حكما تخييريا لوجود الملاك التام (واما الأصول) فلا شاهد على التخيير فيها إذا تعارضت، لا من ناحية الدليل فان دليل اعتبار كل أصل انما يقتضى جريانه عينا سواء عارضه أصل آخر أو لا، ولا من ناحية المدلول فلان المجعول فيها ليس الا الحكم بتطبيق العمل على مؤدى الأصل مع انحفاظ رتبة الحكم الظاهري باجتماع القيود الثلاثة، وهى الجهل بالواقع، و امكان الحكم على المؤدى بأنه الواقع، وعدم لزوم المخالفة العملية، وحيث انه يلزم من جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية فلا يمكن جعلها جميعا، وكون المجعول أحدها تخييرا وإن كان ممكنا الا انه لا دليل عليه " انتهى كلامه "