(وثانيا) ان الغاية من وضع الألفاظ واستعمالها هي الإفادة والاستفادة باحضار المعاني في الذهن من غير فرق من بين أن يكون حضورها بالعرض أو بالذات، والقائل بوضع بعض الألفاظ للموجود في الخارج ينكر كون الموضوع له هو المعلوم بالذات بل يعترف بأنه المعلوم بالعرض (وثالثا) ان الموضوع له في أغلب الأوضاع أو جميعها غير ما يحضر في الذهن بالذات، يرشدك إليه أسماء الأجناس حيث إنها وضعت للطبيعة الصرفة العارية عن كل قيد حتى قيد كونها موجودة في نشأتي الذهن والخارج فإذا أطلقت فلا ينتقل السامع الا إلى هذا المعنى النفس الامرى لا إلى الموجود في ذهنه ولا إلى ما في ذهن متكلمه.
وبالجملة، الصورة الذهنية مرآت للمعنى المفهوم الذي هو الموضوع له، ولازم ذلك هو كونها مغفولا عنها وقس عليه الاعلام، إذا لانتقال إلى الخارج الموضوع له انما هو بالصورة الذهنية لاغير.
(وثانيها) ان هذا الموجود الخارجي الذي هو بالحمل الشايع نداء مثلا، لا يتحقق في الخارج الا بنفس الاستعمال فيكون متأخرا عنه تأخر المعلول عن علته، ولا ريب في أن المستعمل فيه مقدم على الاستعمال بالطبع فإذا كان هذا الموجود هو المستعمل فيه لزم تقدم الشئ على نفسه، (وفيه) انه لا دليل على تقدم المستعمل فيه على الاستعمال وإن كانت لفظة (في) توهم ذلك، فان ملاك التقدم منتف فيه حتى في الحاكيات، والتقدم في بعضها اتفاقي لا طبعي بملاكه، والقائل بايجادية بعض الألفاظ ينكر لزومه - والحاصل ان الالفاط قد تكون حاكيات عن الواقع المقرر وقد تكون موجدة لمعانيها في الوعاء المناسب لها!
والكل يشترك في كونها موجبة لاخطار معانيها في الذهن ولو بالعرض ولا دليل على أزيد من ذلك ولزوم تقدم المستعمل فيه غير ثابت لو لم يثبت خلافه.
(وثالثها) ان الأدوات الايجادية كالنداء والتشبيه قد تستعمل في غير ما يكون نداء حقيقتا بداعي التشويق والسخرية فلا يكون الموجود بهذا الاستعمال نداء أو تشبيها بالحمل الشايع - فاما أن يكون الاستعمالات المزبورة في تلك المعاني بنحو من المجاز فهو مما لا يقول به المفصل، واما أن تكون استعمالا في معانيها الحقيقية ولكن بداعي