المثال المعروف (سر من البصرة إلى الكوفة) توهم كلية المستعمل فيه (ومنها) ان الكلية أو الجزئية تابعة لكلية الطرفين أو جزئيتهما. ويقرب من ذينك القولين ما رجحه بعضهم من أنها موضوعة للأخص من المعنى الملحوظ قائلا بان القول بوضعها للجزئي الحقيقي الخارجي أو الذهني من قبيل لزوم ما لا يلزم.
(هذا) ولكن القول بايجادية بعض الحروف بنفس الاستعمال وعدم استقلال الحروف في المفهومية والمعقولية والوجود مطلقا يثبت ما هو المختار من كون الوضع مطلقا عاما والموضوع له خاصا. اما في الايجادية منها كحروف النداء والتوكيد فواضح جدا بعد ما عرفت من أنها وضعت لإيجاد معانيها من النداء وشبهه بالحمل الشايع من غير فرق بين أن يكون المنادى واحدا أو كثيرا. فإنك إذا قلت يا زيد أو قلت يا أيها الناس فالنداء واحد شخصي. ينادى به مسمى ما يليه ولم توضع للحكاية عن معان مستقرة في مواطنها مع قطع النظر عن الاستعمال. لعدم واقعية لها مع قطع النظر عنه. فهي آلات لإيجاد المعاني بنفس الاستعمال. والوجود حتى الايقاعي منه يساوق بوجه الوحدة التي هي عين جزئية المستعمل فيه وخصوصية الموضوع له - واما القسم الاخر أعني الحاكيات من الحروف فتوضيحه: انك قد عرفت ان معاني الحروف نفس الربط والتدلي بالغير والقيام بشئ آخر خارجا وذهنا فهي اذن لا تتقوم في الخارج الا بالوجودات المستقلة مفهوما ووجودا كالجواهر أو مفهوما فقط كالاعراض كما أنه لا تتقوم في الذهن الا ان تلحظ حالة للغير ومندكة فيه والا لزم الانقلاب فيها وخرجت عن كونها معان حرفية - وقس على هذا مقام الدلالة. أصلها وكيفيتها فلا يستفاد من الحروف المجردة معنا ما لم يضم إليها شئ من الأسماء كما أن كيفية دلالتها.
أعني دلالتها على الوحدة والكثرة. أيضا كذلك. فتدل على الواحد عند كون اطرافها واحدة وعلى الكثير عند كونها كثيرة تجد جميع ذلك أعني عدم استقلالها في المراحل الأربعة (الوجود الخارجي والذهني والدلالة وكيفيتها) عند التأمل في قولنا: زيد في الدار أو كل عالم في الدار - إذ لاشك ان لفظة زيد تحكى عن الواحد الشخصي ولفظة كل عن الكثرة التفصيلية ولفظة عالم تدل على المتلبس بالمبدء، والظرف أعني (الدار) على المكان المعهود، فاذن هلم نحاسب مفاد لفظة (في) فإنك لا تشك - مهما شككت في شئ - ان مفهومها في المثال