الناس الذين يؤمنون بإمامة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ويرجعون إلى فقهاء مدرستهم في حل مشاكلهم الدينية ومعرفة أحكامهم الشرعية. ولأجل هذا كان الفقه الامامي يتأثر بحاجات الناس ولا يتأثر بالوضع السياسي كما يتأثر الفقه السني.
ونحن إذا أضفنا إلى هذه الحقيقة عن الفقه الامامي حقيقة أخرى، وهي أن الشيعة المتعبدين بفقه أهل البيت كانوا في نمو مستمر كميا وكانت علاقاتهم بفقهائهم وطريقة الافتاء والاستفتاء تتحدد وتتسع، استطعنا أن نعرف أن الفقه الامامي لم يفقد العوامل التي تدفعه نحو النمو بل اتسعت باتساع التشيع وشيوع فكرة التقليد بصورة منظمة.
وهكذا نعرف أن الفكر العلمي الامامي كان يملك عوامل النمو داخليا باعتبار فتوته وسيره في طريق التكامل، وخارجيا باعتبار العلاقات التي كانت تربط الفقهاء الاماميين بالشيعة وبحاجاتهم المتزايدة.
ولم يكن التوقف النسبي له بعد وفاة الشيخ الرائد إلا لكي يستجمع قواه ويواصل نموه عنده الارتفاع إلى مستوى التفاعل مع آراء الطوسي.
وأما عنصر الإثارة المتمثل في الفكر العلمي السني فهو وإن فقده الفكر العلمي الامامي نتيجة لجمود الحوزات الفقهية السنية، ولكنه استعاده بصورة جديدة، وذلك عن طريق عمليات الغزو المذهبي التي قام بها الشيعة، فقد أصبحوا في القرن السابع وما بعده في دور الدعوة إلى مذهبهم، ومارس علماؤنا كالعلامة الحلي وغيره هذه الدعوة في نطاق واسع، فكان ذلك كافيا لإثارة الفكر العلمي الشيعي للتعمق والتوسع في درس أصول السنة وفقهها وكلامها، ولهذا نرى نشاطا ملحوظا في بحوث الفقه المقارن قام به العلماء الذين مارسوا تلك الدعوة من فقهاء الامامية كالعلامة الحلي.