جواز عملية الاستنباط في ضوء ما تقدم عرفنا أن علم الأصول يقوم بدور المنطق بالنسبة إلى عملية الاستنباط، لأنه يشتمل على عناصرها المشتركة ويمدها بقواعدها العامة ونظامها الشامل، ولهذا لا يتاح للشخص أن يمارس عملية الاستنباط بدون دراسة علم الأصول.
وما دام علم الأصول مرتبطا بعملية الاستنباط هذا الارتباط الوثيق فيجب أن نعرف قبل كل شئ موقف الشريعة من هذه العملية، فهل سمح الشارع لاحد بممارستها أو لا؟ فإن كان الشارع قد سمح بها فمن المعقول أن يوضع علم باسم " علم الأصول " لدراسة عناصرها المشتركة، وأما إذا كان الشارع قد حرمها فيلغو الاستنباط، وبالتالي يلغو علم الأصول رأسا لان هذا العلم إنما وضع للتمكين من الاستنباط، فحيث لا استنباط لا توجد حاجة إلى علم الأصول لأنه يفقد بذلك مبررات وجوده، فلا بد إذن أن تدرس هذه النقطة بصورة أساسية.
والحقيقة أن هذه النقطة - أي مسألة جواز الاستنباط - حين تطرح للبحث بالصيغة التي طرحناها، لا يبدو أنها جديرة بالتأمل والبحث العلمي، لأننا حين نتسأل: هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط أو لا؟ يجئ الجواب على البداهة بالايجاب، لان عملية الاستنباط هي - كما عرفنا سابقا - عبارة عن " تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا "، ومن البديهي أن الانسان بحكم تبعيته للشريعة ووجوب امتثال أحكامها عليه ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولما لم تكن أحكام الشريعة غالبا في البداهة