والتدرب في ذلك كي لا يزل، فإنه، إنما يتناول من بين مشتبك القنا ".
وفي هذا الضوء نعرف أن تأخر علم الأصول تاريخيا لم ينتج فقط عن ارتباطه بتطور الفكر الفقهي ونمو الاستنباط، بل هو ناتج أيضا عن طبيعة الحاجة إلى علم الأصول فإنها حاجة تاريخية توجد وتشتد تبعا لمدى الابتعاد عن عصر النصوص.
التصنيف في علم الأصول:
وعلى الضوء المتقدم الذي يقرر أن الحاجة إلى علم الأصول حاجة تاريخية نستطيع أن نفسر الفارق ألزمني بين ازدهار علم الأصول في نطاق التفكير الفقهي السني وازدهاره في نطاق تفكيرنا الفقهي الامامي، فإن التأريخ يشير إلى أن علم الأصول ترعرع وازدهر نسبيا في نطاق الفقه السني قبل ترعرعه وازدهاره في نطاقنا الفقهي الامامي، حتى إنه يقال: إن علم الأصول على الصعيد السني دخل في دور التصنيف في أواخر القرن الثاني، إذ ألف في الأصول كل من الشافعي المتوفى سنة (182) ه ومحمد بن الحسن الشيباني المتوفى سنة (189) ه بينما قد لا نجد التصنيف الواسع في علم الأصول على الصعيد الشيعي إلا في أعقاب الغيبة الصغرى أي في مطلع القرن الرابع بالرغم من وجود رسائل سابقة لبعض أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في مواضيع أصولية متفرقة.
وما دمنا قد عرفنا أن نمو التفكير الأصولي ينتج عن الحاجة إلى الأصول في عالم الاستنباط، وأن هذه الحاجة تاريخية تتسع وتشتد بقدر الابتعاد عن عصر النصوص، فمن الطبيعي أن يوجد ذلك الفارق ألزمني وأن يسبق التفكير الأصولي السني إلى النمو والاتساع، لان المذهب السني كان يزعم انتهاء عصر النصوص بوفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، فحين اجتاز التفكير الفقهي السني القرن الثاني كان قد ابتعد عن عصر النصوص بمسافة زمنية كبيرة تخلق