لأنه كان يمارس عمله العلمي في مهجره منفصلا عن تلك الحوزة، فهجرته إلى النجف وإن هيأته للقيام بدوره العلمي العظيم لما أتاحت له من تفرغ ولكنها فصلته عن حوزته الأساسية، ولهذا لم يتسرب الابداع الفقهي العلمي من الشيخ إلى تلك الحوزة التي كان ينتج ويبدع بعيدا عنها، وفرق كبير بين المبدع الذي يمارس إبداعه العلمي داخل نطاق الحوزة ويتفاعل معها باستمرار وتواكب الحوزة إبداعه بوعي وتفتح، وبين المبدع الذي يمارس إبداعه خارج نطاقها وبعيدا عنها.
ولهذا كان لا بد لكي يتحقق ذلك التفاعل الفكري الخلاق أن يشتد ساعد الحوزة الفتية التي نشأت حول الشيخ في النجف حتى تصل إلى ذلك المستوى من التفاعل من الناحية العلمية، فسادت فترة ركود ظاهري بانتظار بلوغ الحوزة الفتية إلى ذلك المستوى، وكلف ذلك العلم أن ينتظر قرابة مائة عام ليتحقق ذلك ولتحمل الحوزة الفتية أعباء الوراثة العلمية للشيخ حتى تتفاعل مع آرائه وتتسرب بعد ذلك بتفكيرها المبدع الخلاق إلى الحلة، بينما ذوت الحوزة القديمة في بغداد وانقطعت عن مجال الابداع العلمي الذي كانت الحوزة الفتية في النجف - وجناحها الحلي بصورة خاصة الوريثة الطبيعية له.
2 - وقد أسند جماعة من العلماء ذلك الركود الغريب إلى ما حظي به الشيخ الطوسي من تقدير عظيم في نفوس تلامذته رفعه في أنظارهم عن مستوى النقد، وجعل من آرائه ونظرياته شيئا مقدسا لا يمكن أن ينال باعتراض أو يخضع لتمحيص. ففي المعالم كتب الشيخ حسن بن زين الدين ناقلا عن أبيه قدس سره أن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به وروي عن الحمصي وهو ممن عاصر تلك الفترة أنه قال: " لم يبق للامامية مفت على