ونحن إذا جمعنا بين هاتين الحقيقتين وعرفنا أن التفكير الأصولي السني الذي يشكل عامل إثارة للتفكير الأصولي الشيعي كان قد أخذ بالانكماش ومني بالعقم، استطعنا أن نستنتج أن التفكير العلمي لدى فقهائنا الامامية رضوان الله عليهم قد فقد أحد المثيرات المحركة له، الامر الذي يمكن أن نعتبره عاملا مساعدا في توقف النمو العلمي.
ابن إدريس يصف فترة التوقف:
ولعل من أفضل الوثائق التاريخية التي تصف تلك الفترة ما ذكره الفقيه المبدع محمد بن أحمد بن إدريس الذي أدرك تلك الفترة وكان له دور كبير في مقاومتها وبث الحياة من جديد في الفكر العلمي كما سنعرف بعد لحظات، فقد كتب هذا الفقيه في مقدمة كتابه السرائر يقول: " إني لما رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمدية والاحكام الاسلامية وتثاقلهم عن طلبها وعداوتهم لما يجهلون وتضييعهم لما يعلمون، ورأيت ذا السن من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه مضيعا لما استوعته الأيام مقصرا في البحث عما يجب عليه علمه حتى كأنه ابن يومه ومنتج ساعته.. ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان وميدانه قد عطل منه الرهان تداركت منه الذماء الباقي وتلافيت نفسا بلغت التراقي ".
تجدد الحياة والحركة في البحث العلمي:
ما انتهت مئة عام حتى دبت الحياة من جديد في البحث الفقهي والأصولي على الصعيد الامامي، بينما ظل البحث العلمي السني على ركوده الذي وصفه الغزالي في القرن الخامس.
ومرد هذا الفرق بين الفكرين والبحثين إلى عدة أسباب أدت إلى استئناف الفكر العلمي الامامي نشاطه الفقهي والأصولي دون الفكر السني.