ونحن إذا دققنا في أكثر الجمل التي وردت في الفئة الأولى نجد فيها أكثر من معنى حرفي واحد، ففي الجملة الأولى نجد مثلا المعنى الحرفي الذي تدل عليه هيئة الجملة وهو الربط بين المبتدأ والخبر ونجد أيضا المعنى الحرفي الذي يدل عليه حرف الباء وهو الربط بين علم المفيد والعلوم الاسلامية كلها، غير أن الجملة إنما أصبحت تامة نتيجة للربط الأول الذي دلت عليه هيئة الجملة دون الربط الذي دل عليه الحرف، ولهذا إذا احتفظنا بالربط الثاني دون الأول أصبحت الجملة ناقصة، كما إذا قلنا: " عالم بالعلوم الاسلامية كلها " بدلا عن قولنا: " المفيد عالم بالعلوم الاسلامية كلها "، فهيئة الجملة إذن هي التي تدل على النسبة التامة والربط التام دون الحرف، وأما الحروف فهي تدل دائما على النسبة الناقصة والربط الناقص.
ونستخلص من ذلك أن الحروف تدل دائما على النسبة الناقصة، وأما الهيئات فهي في بعض الأحيان تدل على النسبة التامة كما في الجمل المفيدة الاسمية والفعلية، وأحيانا تدل على النسبة الناقصة كما في الجمل الوصفية.
وأما ما هو الفرق الجوهري بين واقع النسبة التامة وواقع النسبة الناقصة؟ فهذا ما نجيب عليه في الحلقات المقبلة إنشاء الله تعالى.
المدلول اللغوي والمدلول النفسي:
قلنا سابقا: إن دلالة اللفظ على المعنى هي أن يؤدي تصور اللفظ إلى تصور المعنى، ويسمى اللفظ " دالا " والمعنى الذي نتصوره عند سماع اللفظ " مدلولا ".
وهذه الدلالة لغوية، ونقصد بذلك أنها تنشأ عن طريق وضع اللفظ للمعنى، لان الوضع يوجد علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور المعنى، وعلى أساس هذه العلاقة تنشأ تلك الدلالة اللغوية ومدلولها هو المعنى