إلى مستوى العلم الذي عاصره ابن إدريس فقد علق عليه يقول: " وكأني بمن يسمع هذا الكلام ينفر منه ويستبعده ويقول: من قال هذا ومن ينظره في كتابه ومن أشار من أهل هذه الفن الذين هو القدوة في هذا إليه؟ ".
وأحيانا نجد أن ابن إدريس يحتال على المقلدة فيحاول أن يثبت لهم أن الشيخ الطوسي يذهب إلى نفس رأيه ولو بضرب من التأويل، فهو في مسألة الماء المتنجس المتمم كرا بمثله يفتي بالطهارة ويحاول أن يثبت ذهاب الشيخ الطوسي إلى القول بالطهارة أيضا، فيقول: " فالشيخ أبو جعفر الطوسي الذي يتمسك بخلافه ويقلده في هذه المسألة ويجعل دليلا يقوي القول والفتيا بطهارة هذا الماء في كثير من أقواله. وأنا أبين إنشاء الله أن أبا جعفر تفوح من فيه رائحة تسليم هذه المسألة بالكلية إذا تؤمل كلامه وتصنيفه حق التأمل وأبصر بالعين الصحيحة وأحضر له الفكر الصافي ".
3 - وكتاب السرائر من الناحية التاريخية يعاصر إلى حد ما كتاب الغنية الذي قام فيه حمزة بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي بدراسة مستقلة لعلم الأصول، لان ابن زهرة هذا توفي قبل ابن إدريس ب (19) عاما، فالكتابان متقاربان من الناحية الزمنية.
ونحن إذا لاحظنا أصول ابن زهرة وجدنا فيه ظاهرة مشتركة بينه وبين فقه ابن إدريس تميزهما عن عصر التقليد المطلق للشيخ، وهذه الظاهرة المشتركة هي الخروج على آراء الشيخ والاخذ بوجهات نظر تتعارض مع موقفه الأصولي أو الفقهي، وكما رأينا ابن إدريس يحاول في السرائر تفنيد ما جاء في فقه الشيخ من أدلة كذلك نجد ابن زهرة يناقش في الغنية الأدلة التي جاءت في كتاب العدة ويستدل على وجهات نظر معارضة، بل يثير أحيانا مشاكل أصولية جديدة لم تكن مثارة من قبل في كتاب العدة بذلك النحو (1).