من تكون الفكر الفقهي التي مر بها علم الشريعة لدى الامامية ونما من خلالها حتى أنتج أمثال الشيخ الطوسي من النوابغ الذين نقلوه إلى مستوى أوسع وأعمق.
ويبدو من هذا النص أن البحث الفقهي الذي سبق الشيخ الطوسي وأدركه هذا الفقيه العظيم وضاق به، كان يقتصر في الغالب على استعراض المعطيات المباشرة للأحاديث والنصوص، وهي ما سماها الشيخ الطوسي بأصول المسائل، ويتقيد في استعراض تلك المعطيات بنفس الصيغ التي جاءت في مصادرها من تلك الأحاديث. ومن الطبيعي أن البحث الفقهي حين يقتصر على أصول المسائل المعطاة بصورة مباشرة في النصوص ويتقيد بصيغتها المأثورة، يكون بحثا منكمشا لا مجال فيه للابداع والتعمق الواسع النطاق.
وكتاب المبسوط كان محاولة ناجحة وعظيمة في مقاييس التطور العلمي لنقل البحث الفقهي من نطاقه الضيق المحدود في أصول المسائل إلى نطاق واسع يمارس الفقيه فيه التفريع والتفصيل والمقارنة بين الاحكام وتطبيق القواعد العامة ويتتبع أحكام مختلف الحوادث والفروض على ضوء المعطيات المباشرة للنصوص.
وبدرس نصوص الفقيه الرائد رضوان الله عليه في العدة والمبسوط، يمكننا أن نستخلص الحقيقتين التاليتين:
إحداهما أن علم الأصول في الدور العلمي الذي سبق الشيخ الطوسي كان يتناسب مع مستوى البحث الفقهي الذي كان يقتصر وقتئذ على أصول المسائل والمعطيات المباشرة للنصوص، ولم يكن بإمكان علم الأصول في تلك الفترة أن ينمو نموا كبيرا، لان الحاجات المحدودة للبحث الفقهي الذي حصر نفسه في حدود المعطيات المباشرة للنصوص لم تكن تساعد على ذلك فكان من الطبيعي أن ينتظر علم الأصول نمو التفكير الفقهي واجتيازه تلك المراحل