وهذا يعني أن الفكر الفكر العلمي كان قد نمى واتسع بكلا جناحيه الأصولي والفقهي حتى وصل إلى المستوى الذي يصلح للتفاعل مع آراء الشيخ ومحاكمتها إلى حد ما ما على الصعيدين الفقهي والأصولي، وذلك يعزز ما قلناه سابقا من أن نمو الفكر الفقهي ونمو الفكر الأصولي يسيران في خطين متوازيين ولا يتخلف أحدهما عن الآخر تخلفا كبيرا، لما بينهما من تفاعل وعلاقات.
واستمرت الحركة العلمية التي نشطت في عصر ابن إدريس تنمو وتتسع وتزداد ثراءا عبر الأجيال، وبرز في تلك الأجيال نوابغ كبار صنفوا في الأصول والفقه وأبدعوا، فمن هؤلاء المحقق نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الحلي المتوفى سنة (676) ه، وهو تلميذ ابن إدريس ومؤلف الكتاب الفقهي الكبير " شرائع الاسلام " الذي أصبح بعد تأليفه محورا للبحث والتعليق والتدريس في الحوزة بدلا عن كتاب النهاية الذي كان الشيخ الطوسي قد ألفه قبل المبسوط.
وهذا التحول من النهاية إلى الشرايع يرمز إلى تطور كبير في مستوى العلم، لان كتاب النهاية كان كتابا فقهيا يشتمل على أمهات المسائل الفقهية