عدم دفع الخمس من الميراث.
وهذا السلوك العام إذا حللناه إلى مفرداته ولاحظنا سلوك كل واحد بصورة مستقلة، نجد أن سلوك الفرد المتدين الواحد في عصر التشريع يعتبر قرينة إثبات ناقصة عن صدور بيان شرعي يقرر ذلك السلوك، لأننا نحتمل استناد هذا السلوك إلى البيان الشرعي، وإن كنا نحتمل في نفس الوقت أيضا الخطأ والغفلة وحتى التسامح. فإذا عرفنا أن فردين في عصر التشريع كانا يسلكان نفس السلوك ويصليان الظهر مثلا في يوم الجمعة ازدادت قوة الاثبات.
وهكذا تكبر قوة الاثبات حتى تصل إلى درجة كبيرة، عندما نعرف أن ذلك السلوك كان سلوكا عاما يتبعه جمهرة المتدينين في عصر التشريع، إذ يبدو من المؤكد حينئذ أن سلوك هؤلاء جميعا لم ينشأ عن خطأ أو غفلة أو تسامح، لان الخطأ والغفلة والتسامح قد يقع فيه هذا أو ذاك، وليس من المحتمل أن يقع فيه جمهرة المتدينين في عصر التشريع جميعا. وهكذا نعرف أن السلوك العام مستند إلى بيان شرعي يدل على إمكان إقامة الظهر في يوم الجمعة وعدم وجوب الخمس في الميراث. ولأجل هذا نعتبر سيرة المتشرعة دليلا استقرائيا كالاجماع والشهرة، وهي في الغالب تؤدي إلى الجزم بالبيان الشرعي ضمن شروط لا مجال لتفصيلها الآن. ومتى كانت كذلك فهي حجة، وأما إذا لم يحصل منها الجزم فلا اعتبار بها.
السيرة العقلائية:
وهناك نوع آخر من السيرة يطلق عليه في علم الأصول اسم " السيرة العقلائية ". والسيرة العقلائية عبارة عن ميل عام عند العقلاء المتدينين وغيرهم نحو سلوك معين دون أن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين