ونذكر من تلك الأسباب السببين التاليين:
1 - إن روح التقليد وإن كانت قد سرت في الحوزة التي خلفها الشيخ الطوسي كما تغلغلت في أوساط الفقه السني، ولكن نوعية الروح كانت تختلف لان الحوزة العلمية التي خلفها الشيخ الطوسي سرى فيها روح التقليد لأنها كانت حوزة فتية، فلم تستطع أن تتفاعل بسرعة مع تجديدات الشيخ العظيمة، وكان لا بد لها أن تنتظر مدة من الزمن حتى تستوعب تلك الأفكار وترتفع إلى مستوى التفاعل معها والتأثير فيها، فروح التقليد فيها موقتة بطبيعتها.
وأما الحوزات الفقهية السنية فقد كان شيوع روح التقليد أغراضها، الامر الذي لا يمكننا التوسع في شرحه الآن على مستوى هذه الحلقة، فكان من الطبيعي أن يتفاقم فيها روح الجمود والتقليد.
2 - إن الفقه السني كان هو الفقه الرسمي الذي تتبناه الدولة وتستفتيه في حدود وفائها بالتزاماتها الدينية، ولهذا كانت الدولة تشكل عامل دفع وتنمية للفقه السني، الامر الذي يجعل الفقه السني يتأثر بالأوضاع السياسية ويزدهر في عصور الاستقرار السياسي وتخبو جذوته في ظروف الارتباك السياسي.
وعلى هذا الأساس كان من الطبيعي أن يفقد الفقه السني شيئا مهما من جذوته في القرن السادس والسابع وما بعدهما تأثرا بارتباك الوضع السياسي وانهياره أخيرا على يد المغول الذين عصفوا بالعالم الاسلامي وحكوماته.
وأما الفقه الامامي فقد كان منفصلا عن الحكم دائما ومغضوبا عليه من الأجهزة الحاكمة في كثير من الأحايين، ولم يكن الفقهاء الاماميون يستمدون دوافع البحث العلمي من حاجات الجهاز الحاكم، بل من حاجات