عن بحوث الفقه وبحوث أصول الدين.
الحاجة إلى علم الأصول تاريخية:
ولم يكن تأخر علم الأصول تاريخيا عن ظهور علم الفقه والحديث ناتجا عن ارتباط العقلية الأصولية بمستوى متقدم نسبيا من التفكير الفقهي فحسب، بل هناك سبب آخر له أهمية كبيرة في هذا المجال، وهو أن علم الأصول لم يوجد بوصفه لونا من ألوان الترف الفكري، وإنما وجد تعبيرا عن حاجة ملحة شديده لعملية الاستنباط التي تتطلب من علم الأصول، تموينها بالعناصر المشتركة التي لا غنى لها عنها، ومعنى هذا أن الحاجة إلى علم الأصول تنبع من حاجة عملية الاستنباط إلى العناصر المشتركة التي تدرس في هذا العلم وتحدد، وحاجة عملية الاستنباط إلى هذه العناصر الأصولية هي في الواقع حاجة تاريخية وليست حاجة مطلقة، أي إنها حاجة توجد وتشتد بعد أن يبتعد الفقه عن عنصر النصوص، ولا توجد بتلك الدرجة في الفقه المعاصر لعصر النصوص.
ولكي تتضح الفكرة لديك أفرض نفسك تعيش عصر النبوة على مقربة من النبي (صلى الله عليه وآله) تسمع منه الاحكام مباشرة وتفهم النصوص الصادرة منه بحكم وضوحها اللغوي ومعاصرتك لكل ظروفها وملابساتها أفكنت بحاجة لكي تفهم الحكم الشرعي أن ترجع إلى عنصر مشترك أصولي كعنصر حجية الخبر وأنت تسمع النص مباشرة من النبي (صلى الله عليه وآله) أو ينقله لك أناس تعرفهم مباشرة ولا تشك في صدقهم؟ أو كنت في حاجة إلى أن ترجع إلى عنصر مشترك أصولي كعنصر حجية الظهور العرفي وأنت تدرك بسماعك للنص الصادر من النبي معناه الذي يريده إدراكا واضحا لا يشوبه شك في كثير من الأحيان بحكم اطلاعك على جميع ملابسات النص وظروفه؟ أو كنت