الذين عاشوا عصر النصوص بالحاجة إلى تأسيس علم الأصول لا يعني عدم احتياج الفكر الفقهي إلى علم الأصول في العصور المتأخرة التي يصبح الفقيه فيها بعيدا عن جو النصوص ويتسع الفاصل ألزمني بينه وبينها، لان هذا الابتعاد يخلق فجوات في عملية الاستنباط ويفرض على الفقيه وضع القواعد الأصولية العامة لعلاج تلك الفجوات.
الجذور المزعومة للحركة الاخبارية:
وبالرغم من أن المحدث الاسترآبادي كان هو رائد الحركة الاخبارية فقد حاول في فوائده المدنية أن يرجع بتاريخ هذه الحركة إلى عصر الأئمة وأن يثبت لها جذورا عميقة في تاريخ الفقه الامامي لكي تكتسب طابعا من الشرعية والاحترام، فهو يقول: إن الاتجاه الاخباري كان هو الاتجاه السائد بين فقهاء الامامية إلى عصر الكليني والصدوق وغيرهما من ممثلي هذه الاتجاه في رأي الاسترآبادي، ولم يتزعزع هذا الاتجاه إلا في أواخر القرن الرابع وبعده حين بدأ جماعة من علماء الإمامية ينحرفون عن الخط الاخباري ويعتمدون على العقل في استنباطهم ويربطون البحث الفقهي بعلم الأصول تأثرا بالطريقة السنية في الاستنباط، ثم أخذ هذا الانحراف بالتوسع والانتشار.
ويذكر المحدث الاسترآبادي بهذا الصدد كلاما للعلامة الحلي الذي عاش قبله بثلاث قرون جاء فيه التعبير عن فريق من علماء الإمامية بالأخباريين، ويستدل بهذا النص على سبق الاتجاه الاخباري تاريخيا.
ولكن الحقيقة أن العلامة الحلي يشير بكلمة الأخباريين في حديثه إلى مرحلة من مراحل الفكر الفقهي لا إلى حركة ذات اتجاه محدد في الاستنباط، فقد كان في فقهاء الشيعة منذ العصور الأولى علماء أخباريون يمثلون المرحلة البدائية من التفكير الفقهي، وهؤلاء هم الذين تحدث عنهم الشيخ الطوسي