الدقيق في استنباط المقاصد وتفريع الفروع على القواعد، ولهذا اتسعت دائرتهم في البحث والنظر وأكثروا من بيان الفروع والمسائل وتعدوا عن متون الاخبار.. وأولئك المحدثون ليسوا غالبا بتلك القوة من الملكة، وذلك التمكن من الفن، فلذا اقتصروا على ظواهر الروايات ولم يتعدوا غالبا عن ظواهر مضامينها ولم يوسعوا الدائرة في التفريعات على القواعد، وأنهم لما كانوا في أوائل انتشار الفقه وظهور المذهب كان من شأنهم تنقيح أصول الاحكام التي عمدتها الاخبار المأثورة عن العترة الطاهرة، فلم يتمكنوا من مزيد إمعان النظر في مضامينها وتكثير الفروغ المتفرعة عليها، ثم إن ذلك إنما حصل بتلاحق الأفكار في الأزمنة المتأخرة ".
وفي كتاب الحدائق يعترف الفقيه الجليل الشيخ يوسف البحراني بالرغم من موافقته على بعض أفكار المحدث الاسترآبادي بأن هذه المحدث هو أول من جعل الاخبارية مذهبا، وأوجد الاختلاف في صفوف العلماء على أسا ذلك، فقد كتب يقول: " ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقع هذا الاعتساف إلا في زمن صاحب الفوائد المدنية سامحه الله تعالى برحمته المرضية، فإنه قد جرد لسان التشنيع على الأصحاب وأسهب في ذلك أي إسهاب وأكثر من التعصبات التي لا تليق بمثله من العلماء الأطياب ".
اتجاه التأليف في تلك الفترة:
وإذا درسنا النتاج العلمي في الفترة التي توسعت فيها الحركة الاخبارية في أواخر القرن الحادي عشر وخلال القرن الثاني عشر وجدنا اتجاها نشيطا موفقا في تلك المدة إلى جمع الأحاديث وتأليف الموسوعات الضخمة في الروايات والاخبار، ففي تلك المدة كتب الشيخ محمد باقر المجلسي قدس سره المتوفى سنة (1110) ه كتاب البحار وهو أكبر موسوعة للحديث عند الشيعة، وكتب الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي قدس سرة المتوفى سنة (1104) ه