ذلك لم يكن يعرف وقتئذ شيئا عن كتاب الذريعة للمرتضى، إذ نفى وجود كتاب له في علم الأصول. وهذا يعني أن الطوسي بدأ بكتابه قبل أن يكتب المرتضى الذريعة أو أن الذريعة كانت مؤلفة فعلا ولكنها لم يعلن عنها ولم يطلع عليها الشيخ الرائد حين بدأ تصنيفه للكتاب.
وكتب الشيخ الطوسي في كتابه الفقهي العظيم المبسوط، يقول: " إني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستخفون بفقه أصحابنا الامامية وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقصة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الأصول، لان جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي (صلى الله عليه وآله) إما خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا. وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذاهبنا لا على وجه القياس بل على طريقة توجب علما يجب العمل عليها ويسوغ المصير إليها من البناء على الأصل وبراءة الذمة وغير ذلك. مع أن أكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا، وإنما كثر عددها عند الفقهاء لتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها حتى أن كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة. وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل وتضعف نيتي أيضا فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به، لأنهم ألفوا الاخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير