واما المقام الثاني: فالكلام فيه انما هو فيما اقتضته الأصول العملية من البراءة أو الاحتياط فنقول:
اما العقلية منها فقد يقال كما في الكفاية بالاشتغال ولو مع القول بالبرائة في الأقل و الأكثر الارتباطيين، نظرا إلى رجوع الشك في المقام إلى الشك في الخروج عن عهدة امتثال الامر المتعلق بذات العمل، فإنه بعد احتمال عبادية المأمور به فلا محالة يشك في مدخلية قصد امتثال أمره في حصول الغرض وسقوط الامر المتعلق به ومعه يشك في الخروج عن العهدة بمجرد الاتيان بذات العمل الغير المقرون بقصد امتثال امره، وحينئذ فلا بد بحكم العقل الجزمي باقتضاء الاشتغال اليقيني بالشئ للفراغ اليقيني عنه من الاحتياط و تحصيل الجزم بالفراغ، ولا يكون ذلك الا باتيان العمل عن قصد امتثال امره، دون البراءة لأنها انما تكون في مورد كان الشك في أصل التكليف لا في سقوطه فارغا عن أصل ثبوته وتنجزه على المكلف، والمقام انما كان من قبيل الثاني حيث كان الشك في سقوط التكليف المتعلق بالعمل والخروج عن عهدة امتثاله باتيانه بدون قصد امتثال امره، وفي مثله كان المرجع هو الاشتغال دون البراءة كما هو واضح.
أقول: ولا يخفى عليك ان هذا الاشكال بعينه هو الاشكال المعروف في الأقل و الأكثر الارتباطيين، حيث إنه أو رد هذا الاشكال بعينه هناك على القائل بالبرائة و انحلال العلم الاجمالي بتقريب: ان العلم الاجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر وان انحل إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشك البدوي في الأكثر وكان الأكثر من تلك الجهة تحت البراءة الا ان لازم اليقين بوجوب الأقل بحكم العقل هو الخروج عن عهدته بتحصيل الجزم بالفراغ عنه وتحصيل هذا الجزم بعد احتمال وجوب الأكثر مع فرض ارتباطية الواجب لا يكون الا بالاتيان بالأكثر من جهة انه معه الاقتصار بالأقل حينئذ لا يعلم بالخروج عن عهدته نظرا إلى احتمال وجوب الأكثر في الواقع وحينئذ فلابد من الاحتياط باتيان الأكثر مقدمة لتحصيل الجزم بالفراغ عن عهدة التكليف الثابت المعلوم تعلقه بالأقل، وعلى ذلك فكان هذا الاشكال مشترك الورود بين المقام وبين تلك المسألة ولا خصيصة له بالمقام حتى يقال باقتضاء الأصل في المقام الاشتغال ولو مع القول بالبرائة في الأقل والأكثر الارتباطيين فلو بنينا حينئذ بان هم العقل بالنسبة إلى ما تم عليه البيان هو الجزم بسقوط التكليف والامر عنه فلابد من الاحتياط في المقامين، كما أنه لو بنينا