لا بدوا ولا بالسراية، والقائل بالوجود يدعي عدم تعلقه الا بالمعنون الخارجي الذي هو منشأ انتزاع العناوين والصور الذهنية.
وإذ عرفت ذلك نقول: ان الذي يقتضيه التحقيق هو الأول من تعلق الامر والطلب بنفس الطبيعة لكن بما هي مرآة إلى الخارج وملحوظة بحسب اللحاظ التصوري عين الخارج لا بالوجود الخارجي كما كان ذلك هو الشأن في سائر الكيفيات النفسية من المحبة والاشتياق بل العلم والظن ونحوها أيضا، كما يشهد لذلك ملاحظة الجاهل المركب الذي يعتقد بوجود شئ بالقطع المخالف للواقع فيطلبه ويريده أو يخبر بوجوده وتحققه في الخارج، إذ نقول بأنه لولا ما ذكرنا من تعلق الصفات المزبورة بالعناوين والصور الذهنية بما هي ملحوظة خارجية يلزم خلو الصفات المزبورة عن المتعلق في مثل الفرض المزبور، فإنه بعد مخالفة قطعه للواقع لا يكون في البين شئ تعلق به تلك الصفات، مع أن ذلك كما ترى من المستحيل جدا، لوضوح أن هذه الصفات من العلم والظن والمحبة و الاشتياق والإرادة كما كان لها إضافة إلى النفس من حيث قيامها بها كذلك لها إضافة أيضا إلى متعلقاتها بحيث يستحيل تحققها بدونها، بل وقد يقطع الانسان ويذعن بعدم تحقق شئ كذائي في الخارج إلى الأبد ومع ذلك يشتاق إليه غاية الاشتياق ويتمنى وجوده كقولك (يا ليت الشباب لنا يعود) فان ذلك كله كاشف تام عن تعلق تلك الصفات المزبورة بنفس العناوين والصور الذهنية لا بمنشأ انتزاعها والمعنون الخارجي و هو الوجود، غايته بما هي ملحوظة بحسب النظر التصوري عين الخارج لا بما انما شئ في حيال ذاتها بحيث يلتفت عند لحاظها إلى مغايرتها مع الخارج، ولئن شئت فاستوضح ما ذكرنا بالرجوع إلى الأكاذيب المتعارفة بين الناس في ألسنتهم ليلا ونهارا فإنه لا شبهة في أن الذي يخبر كذبا بثبوت القيام لزيد في قوله زيد قائم مثلا لا يلاحظ ولا يري من زيد و القيام والنسبة بينهما في لحاظه ونظره الأزيد أو القيام الخارجيين والنسبة الخارجية بينهما، لا المفهوم منها بما انه شئ في قبال الخارج، ولا الوجود الحقيقي الخارجي، لأنه حسب اذعانه وتصديقه مما يقطع بخلافه والا يخرج اخباره بقيامه عن كونه كذبا كما هو واضح.
وعلى ذلك فلا محيص من المصير في كلية تلك الصفات من العلم والظن والحب و البغض والاشتياق والإرادة ونحوها إلى تعلقها بنفس العناوين والصور الذهنية، غايته بما هي حاكية عن الخارج كما شرحناه، لا بمنشأ انتزاعها والمعنون الخارجي لا بدوا ولا