قبيل النسب الثابتة كما في المركبات التقيدية التوصيفية أو من قبيل النسب الايقاعية المتحققة في المركبات التامة فكما انه في النسب الثابتة لا يكون الحروف والهيئات الا كاشفة عنها ككشف الأسماء عن مداليلها كذلك في النسب الايقاعية ففيها أيضا لا يكون شأن الحروف والهيئات الا الكشف والانباء عنها.
ومن هذا البيان ظهر أيضا ضعف ما أفيد من التفصيل المزبور في الحروف بين مثل أداة النداء وما شابهها كأداة التنبيه والندبة والاستفهام والتمني والترجي ونحوها مما يكون مداليلها عبارة عن ايقاع النسبة، وبين مثل الأداة الجارة ونحوها مما يكون مداليلها عبارة عن النسبة الثابتة بجعل الطائفة الثانية حاكية ومنبئة عن مداليلها كالأسماء و الطائفة الأولى موجدة لها، بخيال ان قولك: يا زيد وأنت وهذا ونحوها انما هو موجد لمصاديق النداء والإشارة والاستفهام وانه كان بمنزلة تحريك اليد والعين في مقام النداء والإشارة والخطاب، فكما انك بتحريك اليد والعين توجد مصداق النداء حقيقة ومصداق الإشارة والخطاب والبعث نحو الشئ كذلك أيضا بتلك الأداة فإنك بقولك يا زيد توجد مصداق النداء، وبقولك أنت توجد فردا للخطاب، وبقولك هذا توجد مصداق الإشارة، و بقولك ليضرب مصداق البعث إلى الضرب من دون ان يكون تحقق لتلك المصاديق قبل هذا الاستعمال. ولكن ذلك بخلافه في مثل الأداة الجارة من نحو قولك: الماء في الكوز، و سرت من البصرة إلى الكوفة فإنه فيها قبل الاستعمال كان لتلك النسبة واقع تطابقه تارة ولا تطابقه أخرى.
إذ نقول: بان منشأ هذا التوهم انما هو توهم وضع هذا الأداة للنداء الخارجي و الإشارة والخطاب والاستفهام الخارجية كما يظهر من التطهير بتحرك اليد والرأس و العين للإشارة والنداء والخطاب، فإنه على هذا الاس لا محيص من القول بكونها آلات لايجاد معانيها وان معانيها معان احداثية. ولكنه توهم فاسد، كيف وان المعنى الحرفي ليس الا عبارة عن الربط الخاص بين المفهومين لا الربط بين الخارجين فلو انه كان مثل هذه الأداة موضوعا لايقاع مصداق النداء الخارجي والاستفهام والبعث والتمني الخارجي يلزم كون معانيها من سنخ الارتباطات المتقومة بالخارجيات، وهو كما ترى، حيث لا يلائم مع حرفية المعنى فيها من جهة ان المعنى الحرفي كما عرفت وعليه أيضا اطباقهم انما هو عبارة عن الروابط الذهنية القائمة بالمفاهيم، كما يشهد لذلك أيضا