القاعدة العقلية المسلمة، وهي قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا كما في السقوط إلى الأرض لمن ألقى نفسه بالاختيار من شاهق، بتقريب انه وان كان بترك تحصيل مقدمات الواجب قبل حصول شرط الوجوب يمتنع حصول الواجب في ظرفه وعند تحقق شرائط الوجوب، ولكن هذا الامتناع حيثما كان مستندا إلى سوء اختياره لتركه تحصيل مقدماته الوجودية في أول أزمنة الامكان لا محالة يعاقب على ترك الواجب في ظرفه، فمن ذلك يحكم بداهة العقل بوجوب تحصيل المقدمات في أول أزمنة الامكان لتحصيل القدرة حتى لا يترتب على تركها فوت الواجب والملاك في ظرفه، فمدفوع بان قضية الامتناع بالاختيار انما لا ينافي العقاب إذا كان الامتناع ناشيا عن سوء الاختيار لا مطلقا ولو كان ناشيا عن حسن الاختيار بواسطة ترخيص شرعي أو عقلي في البين على الترك، إذ حينئذ لا ينبغي الاشكال في أنه ينافيه العقاب، كما يكشف ذلك موارد القطع بعدم حصول المنوط به والشرط في الخارج مع مخالفة قطعة للواقع وحصول الشرط والمنوط به في الخارج، فإنه حينئذ لا اشكال في أنه ترك الاتيان بالمقدمات الوجودية المفوتة للواجب فامتنع بذلك الاتيان بالواجب في ظرفه لا يكاد يترتب عليه العقوبة بوجه أصلا، وهكذا في موارد الجهل بأصل وجوب الامر البعدي حيث لا يترتب العقوبة على تركه في موطنه بمجرد عدم اتيانه في الحال بالمقدمات الوجودية المفوتة، كما هو واضح.
وحينئذ فإذا كان موضوع العقاب في القاعدة المزبورة عبارة عن الامتناع الناشئ عن سوء الاختيار لا مطلق الامتناع ولولا عن سوء الاختيار نقول بأنه لابد حينئذ مع قطع النظر عن تلك القاعدة من اثبات وجوب تلك المقدمات عقلا أو شرعا في الحال كي يترتب على ترك تحصيلها كون الامتناع امتناعا عن سوء الاختيار فيترتب عليه الحكم باستحقاق العقوبة عليه بمقتضي القاعدة المزبورة، والا فلا يمكن اثبات وجوبها وكونه امتناعا عن سوء الاختيار بمقتضي تلك القاعدة من جهة ما فيه من الدور الواضح. و حينئذ نقول بأنه إذا لم يقم دليل خاص من اجماع أو غيره على كونها واجبة بالوجوب النفسي ولو التهيئي وامتنع أيضا كونها واجبة بالوجوب الغيري الترشحي من جهة ما هو الفرض من انتفاء التكليف الفعلي بذيها قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج فلا جرم تبقى المقدمات تحت الترخيص العقلي، وحينئذ فإذا ترك المقدمات المزبورة فامتنع الواجب في ظرفه لأجل تركه تحصيل المقدمات من الأول فلا جرم لا يكاد يكون الامتناع