أصلا وانما هي مجرد علامات لمعان تحت ألفاظ غيرها.
ولكن مثل هذا المشرب مرمى بالضعف عند المحققين لذهابهم طرا إلى أن للحروف معاني في نفسها كما يكشف عنه تعريفهم للحروف بأنها ما دل على معنى غير مستقل بالمفهومية قبالا للاسم الذي دل على معنى مستقل بالمفهومية، وهكذا تعريفهم الاخر لها بان الحرف هو ما دل على معنى في غيره قبال الاسم الذي دل على معنى في نفسه، فان من المعلوم ان الغرض من هذا التعريف هو بيان ان للحرف معنى، غير أن معناه كان قائما بالغير نظير الاعراض لا ان معناه كان تحت لفظ الغير وان الحرف علامة لذلك كما هو واضح. كيف وان مثل الدار في المثال وكذا السير والبصرة انما هي من أسامي الأجناس وهي حسب وضعها لا تدل الاعلى المهية المهملة وذات المعنى بما هي عارية عن الاطلاق والتقييد ولذا تحتاج في مقام اثبات ان مراد المتكلم هو المعنى الاطلاقي العاري عن الخصوصيات إلى مقدمات الحكمة كي يحكم بان مراد المتكلم من اللفظ هو المعنى الاطلاقي. وحينئذ نقول بأنه على فرض ان تكون تلك الخصوصية تحت لفظ الغير و مرادة منه يلزم استعمال لفظ الدار والسير والبصرة في مثل زيد في الدار وسرت من البصرة في معنى الخاص فيلزمه المصير إلى المجاز حينئذ لأنه من باب استعمال اللفظ الموضوع للكلي في الفرد والخصوصية، وهو كما ترى! فلا محيص حينئذ الا من الالتزام بعدم استعمال لفظ الدار الا في معناها الكلى أعني الطبيعة المهملة وكونه من باب اطلاق الكلى على الفرد وإرادة الخصوصية بدال اخر كما في قوله جاء رجل من أقصى المدينة وعليه ونقول: بأنه بعد خروج القيد والخصوصية عن تحت لفظ الدار والسير و البصرة فلابد وأن يكون تحت دال اخر وهو في المقام لا يكون إلا لفظ في في زيد في الدار ولفظ من في سر من البصرة هذا. على أن ما أفيد في طرف المشبه به وهو الرفع والنصب والجر من التسلم بأنها مما لا معنى لها وانها ومجرد علامات لخصوصية وقوع زيد في جائني زيد فاعلا في التركيب غير وجيه أيضا، إذ نقول فيها أيضا بان الرفع وكذا النصب والجر انما هي من مقولات الهيئة الكلامية، وحينئذ فبعد ان كان للهيئة وضع للدلالة على النسب الكلامية كما سنحققه إن شاء الله تعالى فلا جرم كان للأعراب أيضا معنى، حيث كان لها الدلالة على خصوصية النسبة الكلامية من حيث الفاعلية والمفعولية والحالية و نحو ذلك من أنحاء النسب وخصوصياتها، من غير أن تكون تلك الخصوصيات تحت لفظ