إليك أو نزل إليك جبرئيل ان سمه بكذا أم لا بل أنت تضع له اسما من الأسامي وأنت الجاعل للعلقة والارتباط بجعلك اللفظة اسما له بعد أن لم يكن بينهما علاقة وارتباط؟ لا يقال: بأنه كيف ذلك مع أنه لولا قضية المناسبة الذاتية بينهما الحاصلة من تخصيص إلهي يكون تخصيص لفظ خاص من بين الألفاظ للمعنى الملحوظ ترجيحا بلا مرجح، فإنه يقال:
يكفي في الترجيح انسباق اللفظ إلى الذهن من بين الألفاظ عند إرادة الوضع ولو من جهة اقتضاء استعداده للوجود في عالم الذهن، حيث إنه موجب لتخصيصه بالمعنى الملحوظ من بين الألفاظ، ففي الحقيقة ما هو الموجب لتخصيص لفظ من بين الألفاظ لمعنى من بين المعاني انما هو قضية تقارنهما للوجود في عالم الذهن، ومن المعلوم انه في ذلك لا يحتاج في تخصيص أحدهما بالآخر إلى جهة مناسبة ذاتية بينهما، كما لا يخفى.
في تعريف الوضع:
ثم انه مما ذكرنا ظهر حال حقيقة الوضع وانه عبارة عن نحو إضافة واختصاص خاص توجب قالبية اللفظ للمعنى وفنائه فيه فناء المرآة في المرئي بحيث يصير اللفظ مغفولا عنه وبالقائه كان المعنى هو الملقى بلا توسيط امر في البين، لا انه من قبيل اختصاص الامارة لذيها كما في النصب الموضوعة في الطريق للدلالة على وجود الفرسخ، كيف و لازمه ان يكون انتقال الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ من شؤون الانتقال إلى اللفظ و لازمه كون انتقال الذهن إلى اللفظ في عرض الانتقال إلى المعنى بحيث كان في الذهن انتقالان عرضيان: انتقال إلى اللفظ وانتقال منه بواسطة الملازمة إلى المعنى نظير الانتقال من الدخان إلى وجود النار، مع أن ذلك كما ترى مما يحكم بفساده بداهة الوجدان، ضرورة وضوح انه بالقاء اللفظ لا يكاد في الذهن الا انتقال واحد إلى المعنى بلا التفات إلى شخص اللفظ الملقى بنحو كان المعنى بنفسه قد ألقى بلا توسيط لفظ، كما هو الشأن في الكتابة أيضا فان الناظر فيها بمقتضى الارتكاز لا يرى الا نفس المعنى بلا التفاته في هذا النظر إلى حيث نقوش الكتابة تفصيلا، ومن المعلوم انه لا يكون الوجه في ذلك الا جهة شدة العلاقة والارتباط بينهما التي أوجبت قالبية اللفظ للمعنى وفنائه فيه. ومن جهة هذا الفناء أيضا ترى بأنه قد يسرى إلى المعنى ما للفظ من التعقيد مع أن المعنى لا يكون