كما افاده بعضهم، ولا إلى وجوب أحد الفردين بلا عنوان أو أحدهما المعين عند الله وهو الذي يختاره المكلف لعلمه سبحانه أزلا بما يختاره في مقام الايجاد، وذلك لان الأول مع أنه غير متصور في كثير من الموارد كما في فرض الدوران بين فعل شئ وترك الاخر وفي الضدين كالصلاة والإزالة مثلا مخالف لظواهر الأدلة الآمرة بكل واحد من الفردين، من جهة وضوح ظهورها في وجوب كل واحد من الفردين بخصوصيتهما لا بما ان الوجودين كل منهما مصداق لما هو الواجب وهو الجامع كما هو واضح. واما الثاني فلما فيه أيضا بان عنوان أحد الفردين بلا عنوان امر عرضي انتزاعي لا يكون له ما بإزاء في الخارج ولا كان قابلا لقيام المصلحة به فلا يمكن ان يكون موردا للالزام واما مصداق أحد الفردين والخصوصيتين على نحو النكرة فهو وان كان قابلا لان يقوم به المصلحة ويصير موردا للالزام ولكنه أيضا مناف لما يقتضيه ظواهر الأدلة الآمرة بكل واحد من الوجودين. و اما الثالث فهو أيضا كذلك إذ يكون منافيا لما اقتضه الأدلة الآمرة بكل واحد من الوجودين من جهة ظهورها في وجوبها كل واحد من الوجودين بخصوصيته، نعم لا يرد عليه حينئذ محذور لزوم عدم اتصاف الوجودين بالوجوب في ظرف عصيان المكلف وعدم اختياره لواحد منهما، وذلك من جهة وضوح ان اختيار المكلف حينئذ طريق إلى ما هو الواجب عند الله لا انه يكون له موضوعية وهو واضح.
وحينئذ فبعد بطلان الوجوه المزبورة يتعين قهرا ما ذكرنا، إذ عليه تبقى الأدلة على ظاهرها في وجوب كل واحد من الفردين بخصوصيته غايته انه رفع لليد عما يقتضيه ظهور الوجوب في كل منهما في الوجوب التام وايجاب حفظ الوجود على الاطلاق بارجاع الوجوب فيهما إلى ايجابين ناقصين على نحو لا يقتضي كل منهما بمقتضي النهى عن النقيض الا المنع عن تركه في حال ترك الآخر وذلك أيضا لا من جهة تقييد في الطلب أو المتعلق بل من جهة قصور في نفس الوجوبين حينئذ في اقتضاء حفظ الوجودين على الاطلاق حتى في حال وجود الاخر وهذا القصور أيضا ناش من جهة ما بين ملاكهما من التضاد الموجب لخروج أحد الوجودين عن كونه ذا مصلحة عند تحقق الاخر، ونتيجة ذلك كما عرفت هو حرمة ترك كلا الوجودين ووجوب الاتيان بأحدهما كما هو واضح.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرنا في الضدين المتساويين ظهر أيضا حال ما ذا كان أحدهما أهم والاخر مهما فإنه فيهما أيضا أمكن بالتقريب المزبور الجمع بين