فتأمل.
وعلى ذلك فلا يبقى مجال للتفصيل المزبور بين فرض ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده، فإنه على كل تقدير يتأتى فيه احتمال النسخ والتخصيص كما في الفرض الثالث، فلابد حينئذ بعد جريان احتمال النسخ والتخصيص في كل من الفروض الثلاثة من ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر.
وقبل الشروع في بيان ترجيح أحد الامرين نذكر ما يقتضيه الأصل العملي في المسألة عند الشك فنقول: أما إذا كان الخاص مقدما على العام بحيث يحتمل كونه منسوخا بالعام الوارد بعده أو مخصصا وبيانا له، فمع الدوران يجري استصحاب حكم الخاص، من جهة الشك في ارتفاعه لاحتمال كونه مخصصا للعام لا منسوخا به، فيستصحب، وأما إذا كان الخاص واردا بعد العام، بحيث يحتمل فيه الناسخية والمخصصية، فتارة يكون حكم الخاص المتأخر نقيضا لحكم العام، كما لو كان حكم العام هو وجوب اكرام العلماء، وكان حكم الخاص عدم وجوب اكرام الفساق منهم، وأخرى يكون حكمه ضدا لحكم العام، كان كان حكم الخاص في الفرض المزبور حرمة اكرام الفساق منهم أو كراهته.
فعلى الأولى يجرى فيه أيضا حكم التخصيص بمقتضي الأصل العدمي قبل ورود العام، من جهة انه قبل ورود العام يعلم بعدم وجوب اكرام الفساق من العلماء، وبورود العام وهو قوله: اكرام العلماء يشك في وجوب اكرامهم، من جهة احتمال كون الخاص المتأخر مخصصا للعام وبيانا له في عدم دخول الفساق منهم من الأول تحت حكم وجوب الاكرام، فيستصحب الحالة السابقة وهي عدم وجوب اكرامهم فينتج حكم التخصيص دون النسخ. واما على الثاني فلا أصل يجرى في البين من جهة القطع التفصيلي بانتقاض الحالة السابقة على كل تقدير اما بوجوب الاكرام بمقتضي العام على فرض الناسخية واما بحرمة الاكرام الثابت للخاص على فرض المخصصية، فعلى كل تقدير فلا شك فيه في البقاء حتى يجرى استصحاب العدم السابق على العام، كما أنه بالنسبة إلى حكمه الفعلي أيضا مقطوع بحرمته على تقدير المخصصية والناسخية. نعم لو كان مفاد العام هو وجوب الاكرام أو حرمته وكان مفاد الخاص المتأخر استحباب الاكرام أو كراهته أمكن دعوى جريان حكم التخصيص بمقتضي استصحاب عدم المنع السابق، حيث إنه بالأصل المزبور مع ضميمة رجحانه الفعلي أو المرجوحية الفعلية أمكن اثبات الكراهة أو الاستحباب، فتأمل.