الوجوب عند خلو المورد عن القرينة على الاستحباب والرخصة في الترك حتى أنه لو ورد في رواية واحدة أوامر متعددة بعدة أشياء كقوله: اغتسل للجمعة والجنابة ومس الميت، و نحوه، فقامت القرينة المنفصلة على إرادة الاستحباب في الجميع إلا واحدا منها تريهم يأخذون بالوجوب فيما لو تقم عليه قرينة على الاستحباب، بل وتريهم كذلك أيضا في أمر واحد كقوله: إمسح ناصيتك، حيث إنهم أخذوا بالوجوب بالنسبة إلى أصل المسح وحملوه على الاستحباب بالنسبة إلى الناصية مع أنه امر واحد، وهكذا غير ذلك من الموارد التي يطلع عليها الفقيه، ومن المعلوم أنه لا يكون الوجه في ذلك الا حيث ظهور الامر في نفسه في الوجوب عند اطلاقه، وحينئذ فلا اشكال في أصل هذا الظهور.
نعم انما الكلام والاشكال في منشأ هذا الظهور وانه هل هو الوضع أو هو غلبة الاطلاق أو هو قضية الاطلاق ومقدمات الحكمة؟
فنقول: اما توهم كون المنشأ فيه هو الوضع فقد عرفت فساده وأنه يكون حقيقة في مطلق الطلب الجامع بين الإلزامي وغيره بشهادة صحة التقسيم وصحة الاطلاق على الطلب الغير الإلزامي. واما ما استدل به من الآيات والأخبار الكثيرة لاثبات الوضع للوجوب، من نحو قوله: سبحانه (فليحذر الذين يخالفون عن امره) وقوله عز من قائل مخاطبا لإبليس: (ما منعك ان تسجد إذ أمرتك) وقوله صلى الله عليه وآله: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك) وقوله صلى الله عليه وآله أيضا لبريرة حين قال له أتأمرني يا رسول الله: (لا بل أنا شافع) من تقريب انه جعل المخالفة للامر في الأول ملزوما لوجوب لحذر، وفى الثاني للتوبيخ، وفى الثالث للمشقة، وحيث لا يجب الحذر من مخالفة الامر الاستحبابي ولا يصح التوبيخ عليه ولا كان مشقة يترتب على الامر الاستحبابي بعد جواز الترك شرعا، فلا جرم يستفاد من ذلك كونه حقيقة في خصوص الطلب الوجوبي، فان التقيد بالوجوب في تلك الأوامر خلاف ظاهر تلك الأدلة من جهة قوة ظهورها في ترتب هذه اللوازم على طبيعة الامر لا على خصوص فرد منه، وحينئذ فتدل تلك الأدلة بعكس النقيض على عدم كون الامر الاستحبابي أمرا حقيقة بلحاظ عدم ترتب تلك اللوازم عليه. فنقول: بأنه يرد على الجميع بابتناء صحة الاستدلال المزبور على جواز التمسك بعموم العام للحكم بخروج ما هو خارج عن حكم العام عن موضوعه، إذ بعد أن كان من المقطوع عدم ترتب تلك اللوازم من وجوب الحذر