ايجادها من قبيل تحصيل الحاصل الذي هو من المستحيل. وحينئذ فتعين الأول باعتبار ان ما هو المحتاج إليه حينئذ انما هو الكشف عما في ذهنه من الصورة الخاصة، ومعه لا محيص الا من المصير إلى كون الأداة والهيئات كاشفة عن مداليلها كما في الأسماء، وان في قولك الماء في الكوز أو سرت من البصرة أو صعدت على السطح ونحو ذلك كما كان لفظ الماء والكوز ولفظ السير والبصرة ولفظ الصعود والسطح ونحو كاشفا عن مداليلها، كذلك لفظ في ومن وعلى أيضا كان كاشفا عن الارتباط الخاص بين مفهومي الماء و الكوز، والارتباط بين مفهومي السير والبصرة، ومفهومي الصعود والسطح.
كيف وانه لم نتعقل مفهوما محصلا لايجادية مداليل الحروف والهيئات، فإنه ان أريد بايجاديتها حضورها في الذهن باعتبار ما يكون النفس من الخلاقية للصور في وعاء الذهن فهو مسلم لا يعتريه ريب، ولكنه نقول: بان هذا المعنى لا يكون مختصا بمداليل الحروف والهيئات فيجرى في الأسماء أيضا، ففي مثل الماء في الكوز كان كل واحد من مفهوم الماء والكوز والنسبة الظرفية بينهما من موجدات النفس حسب ما لها من الخلاقية للصور بلا خصيصة لذلك بالحروف، ولكن لا يكون الموضوع له حينئذ هو هذه المفاهيم بقيد وجودها في الذهن بل الموضوع له حينئذ هو نفس المتصور الذي تعلق به اللحاظ والتصور، وذلك أيضا لا بما هو، بل بما هو يرى خارجيا وفي هذه المرحلة كما لا يكون مداليل الأسماء ايجادية كذلك الحروف أيضا. وان أريد بايجاد معاني الحروف كون الحروف موجدة لها في مقام الاستعمال فهو أيضا امر لا نتعقله بعد فرض تحقق تلك النسب والارتباطات الخاصة بين المفهومين قبل استعمال أداتها إذ هو حينئذ من تحصيل الحاصل وغير محتاج إليه، على أنه نقول حينئذ بان لازم كاشفية الأسماء عن مداليلها انما هو تحقق مضامينها في رتبة سابقة عن كشف الألفاظ عنها كما هو شأن كل محكى بالنسبة إلى حاكيه، وحينئذ فلو كان شأن الأداة والهيئات هو الموجدية لمداليلها التي هي الارتباطات الخاصة بين مفاهيم الأسماء يلزمه تأخر صقع الارتباط بين المفهومين عن صقع الألفاظ والأداة المتأخر عن صقع مفهومي الاسمين بمرتبتين، نظرا إلى علية الأداة لوجود الارتباط بين المفهومين ولازمه حينئذ هو تقوم مثل هذا الربط الواقع في الصقع المتأخر بما يكون صقعه متقدما عليه بمرتبتين وهو كما ترى، بل لازمه أيضا هو اخراج جميع مثل هذه التقييدات عن حيز الطلب والإرادة في الطلب المنشأ بالهيئة كما في نحو سر من البصرة إلى