بعد ثبوت تلك المعاني في الشرايع السابقة يكون ألفاظها أيضا حقايق لغوية فيخرج عن حريم النزاع.
نعم لو اغمض عن هذه الجهة وقلنا بكون هذه المهيات مستحدثة في شرعنا أو كونها ثابتة في الشرايع السابقة ولكنها بغير تلك الألفاظ المستعملة فيها في لسان الشارع، لما كان مجال حينئذ لانكار الحقيقة الشرعية، تارة بدعوى ان استعمال الشارع تلك الألفاظ فيها كان من باب المجاز ومعونة القرائن، وأخرى كما عن الباقلاني - بدعوى ان استعمال الشارع تلك الألفاظ دائما كان في معناها اللغوي لا غير ولكنه أفاد بعض الخصوصيات من الشرائط والموانع بدوال خارجية، فكان لفظ الصلاة مثلا في جميع الموارد في كلامه صلى الله عليه وآله مستعملة في الدعاء وأفاد الخصوصيات من الترتيب والموالاة ونحوها من الشرائط والاجزاء والموانع بدوال أخر خارجية، وثالثة بغير ذلك. إذ ذلك كله ينافيه ما عليه ديدن العقلاء في اخترائهم الماهيات، فان كل مخترع لماهية من الصدر الأول إلى الآن بنائه وديدنه على وضع لفظ مخصوص أيضا بإزاء ما اخترعه من الماهية لا انه يستعمل فيه اللفظ مجازا بلا وضع اسم خاص لما اخترعه، ومن المعلوم أيضا ان الشارع في مقام شارعيته واختراعه لتلك الماهيات أو امضائه لها بين رعيته ما جاوز هذه الطريقة المألوفة، حيث إنه من المستبعد جدا ان يكون له في ذلك طريقة خاصة غير ما جرى عليه ديدن العقلاء، وإلا يلزم عليه البيان بكونه غير سالك لما هو طريقة العقلاء لكي لا يحملوا اللفظ الصادر منه عند خلوه عن القرينة على المعنى الشرعي مع أنه صلى الله عليه وآله لم يقم بيانا على ذلك فكان نفس عدم بيانه لذلك كاشف كون جريه على طبق ديدن العقلاء فيثبت بذلك الوضع والحقيقة الشرعية.
واما الاشكال عليه بان صيرورة اللفظ حقيقة في معنى لسانه صلى الله عليه وآله لابد وأن يكون بأحد الامرين، اما وضعه صلى الله عليه وآله ابتداء أو كثرة استعماله، وهما ممنوعان، اما الأول فلبعده غايته لأنه لو كان لو صل إلينا مع أنه لم ينقل أحد من المؤرخين انه صلى الله عليه وآله قام يوم كذا في مجلس كذا وقال اني وضعت لفظ الصلاة للأركان المخصوصة، خصوصا مع وفور الدواعي على نقل ما يصدر منه صلى الله عليه وآله واما الثاني فمن جهة احتياجه إلى مضى زمان طويل بنحو يصير اللفظ إلى حد الحقيقة، فمندفع بأنه كذلك مع انحصار الوضع بما ذكر وليس كذلك، بل له طريق ثالث،