لا يعلم انحصار الغرض والمصلحة فيها في شئ، على أن التعبدي بهذا المعنى غير مجد فيما هو المهم في مثل المقام، حيث إن المهم والمقصود من التعبدي في المقام هو الذي لا يحصل الغرض الداعي على الامر به ولا يسقط امره الا باتيانه على وجه قربى، ويقابله التوصلي الذي يحصل الغرض ويسقط الامر بمجرد وجوده كيفما اتفق، كما هو واضح.
الامر الثاني: لا يخفى عليك ان المهم في المقام على ما ستعرف من امكان اخذ القربة قيدا للمأمور به أو عدم امكانه انما هو مجرد اثبات امكان التمسك بالاطلاقات، لا فعلية التمسك به كي يستلزم ذلك تسليم ورود الاطلاقات في مقام البيان فينافي ذلك مع ما ذكرناه سابقا في مسألة الصحيح والأعم من نفى الثمرة بين القولين من جهة عدم صحة التمسك بالاطلاقات نظرا إلى المنع عن ورود تلك المطلقات في مقام البيان بل في مقام أصل تشريع المركب، ففي الحقيقة الجهة المبحوث عنها في المقام من صحة التمسك بالمطلقات انما كانت مبنية بفرض ثبوت ورود المطلقات في مقام البيان، فتدبر.
الامر الثالث: وهو العمدة في الباب ان عبادية الشئ وما به قوام كون الشئ عبادة عبارة عن كون الشئ من وظائف العبودية ومما يتقرب به إلى المولى، ومرجعه إلى كون الشئ بنحو يظهر العبد والمأمور به خضوعه وعبوديته لمولاه. وحينئذ نقول: بان مثل هذا المعنى تارة يكون جعليا وأخرى ذاتيا، ومن قبيل الأول الأمور الموضوعة ابزارا للعبودية ومنها بعض الحركات المجعولة عند العقلاء لان تكون آلات للتعظيم وللخضوع والعبودية كالركوع والسجود وتقبيل اليد والرجل وكرفع القلنسوة من الرأس عند بعض الطوائف ورفع اليد إلى الاذن عند طائفة أخرى والقيام بنحو الاستقامة وتحريك اليد عند طائفة ثالثة، وهكذا غير ذلك من الأمور المجعولة عند العرف والعقلاء آلات للتعظيم وللخضوع والعبودية، ومن المعلوم انه يكفي في عبادية مثل هذه الأمور وكونها آلات للعبودية مجرد اتيانها بقصد كونها خضوعا وتعظيما، أو قصد عنوان آخر بجعل ذلك العنوان تعظيما وخضوعا، نظير الصلاة مثلا، حيث إنه بمجرد اتيانها بقصد الخضوع والتعظيم يعد كونها تعظيما، كما في القيام للغير بقصد التعظيم، أو السجود له بقصد التذلل والخضوع، كما أنه يكفي أيضا في مقربية مثل هذه الأمور مجرد اتيانها للمولى وتخصيصها له بلام الصلة بجعل خضوعه له دون غيره، من دون احتياج في مقربيتها إلى توجه الامر بها ولا إلى اتيانها بداعي أمرها وجعل الله سبحانه غاية عمله، من جهة ان فيها حينئذ اقتضاء المقربية