فيكون ناسخا فحينئذ فهيهنا مسئلتان الأولى وجوب حمل المطلق على المقيد والثانية كونه بيانا لا نسخا لنا على المقام الأول نظير ما مر في حمل العام على الخاص لشيوع التقييد وشهرته ورجحانه وانفهامه في العرف فإنه في الحقيقة أيضا نوع من التخصيص كما سنشير إليه واحتج الأكثرون بأنه جمع بين الدليلين لان العمل بالمقيد يستلزم العمل بالمطلق دون العكس وهذا بنفسه لا يتم لامكان الاعتراض بأن الجمع لا ينحصر في ذلك فلا بد من بيان المرجح ولا يتم إلا بما ذكرنا وأما سند هذا المنع فقد يقرر بوجوه الأول أنه يمكن الجمع بينهما بحمل المقيد على الاستحباب بمعنى حمل الامر في قوله أعتق رقبة مؤمنة مثلا على الاستحباب فيكون المؤمنة أفضل أفراد الواجب التخييري والثاني أن يحمل الامر فيه على الواجب التخييري بمعنى التخيير المصطلح لا التخييري المستفاد من العقل فيما لو كان المأمور به كليا قابلا لكثيرين فإنه كان مستفادا من الامر بالمطلق بانضمام حكم العقل أيضا وفيهما أنهما مرجوحان بالنسبة إلى ما ذكرنا لما ذكرنا سيما الأخير وقد يذب عنهما أيضا بأن حمل الامر على الاستحباب مجاز جزما كذا حمله على التخيير بخلاف استعمال المطلق في المقيد فإنه ليس مجازا مطلقا بل له جهة حقيقة كما صرحوا به وفيه أنه إن أريد بذلك مجرد هذه الملائمة لا كونه مستعملا فيه بعنوان الحقيقة فيما نحن فيه فله وجه وإن أريد أنه مستعمل في المقيد فيما نحن فيه بعنوان الحقيقة في بعض الأحيان ففيه أن هذا الاستعمال ليس إلا الاستعمال المجازي لإرادة الخصوصية منه حينئذ وإن لم يتعين عند المخاطب نعم قد يمكن دعوى الحقيقة مع عدم التعيين عند المخاطب إذا اشعر المقام بتعيينه عند المتكلم في مثل جاء رجل من أقصى المدينة وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لاستحالة تعليق الحكم على المبهم من الحكيم ولو فرض مثل ذلك وحصل العلم بعد ذلك بسبب القرينة بإرادة ذلك فيكون حينئذ بيانا للمجمل يعني يظهر بعد القرينة أنه كان مجملا فيكون هذا من باب المجمل لا المطلق فيكون مجازا في معناه فكيف كان فلا يخرج عن المجازية وإلى هذا ينظر قولهم بكون المقيد والخاص بيانا للمطلق والعام وتقسيمهم المجمل بما له ظاهر وما ليس له ظاهر فعلم أن ذلك خروج عن الظاهر والظاهر هو الحقيقة فهذا الكلام في ترجيح ما اخترناه من المجاز على ما ذكره المانع ولئن سلمنا تساوي الاحتمالين فنقول ان البراءة اليقينية لا تحصل إلا بالعمل بالمقيد كما ذكره العلامة رحمه الله في النهاية وقد يعترض عليه بأنه لم يحصل العمل بشغل الذمة مع احتمال إرادة المجاز من المقيد حتى يجب تحصيل اليقين بالبرائة عنه فلا وجه لوجوب العمل به وفيه أن المكلف به حينئذ هو القدر المشترك بين كونه نفس المقيد أو المطلق ونعلم أنا مكلفون بأحدهما فاشتغال الذمة إنما هو بالمجمل ولا
(٣٢٥)