اعتبروا في الاستعارة أن يكون وجه الشبه من أشهر خواص المشبه به حتى إذا حصل القرينة على عدم إرادته انتقل إلى لازمه كالشجاعة في الأسد فلا يجوز استعارة الأسد لرجل باعتبار الجسمية أو الحركة ونحوهما وكذلك الحال في المشبه فلا بد أن يكون ذلك المعنى أيضا فيه ظاهرا ولذلك ذهب بعضهم إلى كون الاستعارة حقيقية فإن التجوز في أمر عقلي وهو أن يجعل الرجل الشجاع من أفراد الأسد بأن يجعل للأسد فردان حقيقي وادعائي فالأسد حينئذ قد أطلق على المعنى الحقيقي بعد ذلك التصرف العقلي وهذا المعنى مفقود بين النخلة والحائط والجبل فإن المجوز لاستعارة النخلة للرجل الطويل هو المشابهة الخاصة من حصول الطول مع تقاربهما في القطر وهو غير موجود في الجبل والحائط وهكذا ملاحظة المجاورة فإن المجاورة لا بد أن يكون بالنسبة إلى المعنيين معهودا ملحوظا في الأنظار كالماء والنهر والميزاب لا كالشبكة والصيد فان المجاورة فيهما اتفاقية بل المستفاد من المجاورة المعتبرة هو المؤانسة والتنافر بين الشبكة والصيد واضح وأما الأب والابن فعلاقة السببية والمسببية فيهما أيضا خفية عرفا وليس أظهر خواص الابن والأب حين ملاحظتهما معا السببية والمسببية نعم التربية والرياسة والمرؤسية من الخواص الظاهرة فيهما مع أن التقابل الحاصل من جهة التضايف يوجب قطع النظر عن سائر المناسبات وبالجملة لما كان الغرض من المجاز الانتقال من الملزوم إلى اللازم فلم يظهر من العرب إلا تجويز العلاقة الظاهرة ألا ترى أن استعمال اللفظ الموضوع للجزء في الكل ليس بمحض علاقة الجزئية والكلية بل لوحظ فيه كمال المناسبة بين الجزء والكل بأن يكون مما ينتفي بانتفاء الجزء كالرقبة للانسان والعين للربئية باعتبار وصف كونه ربئية وبالجملة الرخصة الحاصلة في النوع يراد بها الحاصلة في جملة هذا النوع وإن كان في صنف من أصنافها أو في أفرادها الشايعة الظاهرة وهكذا فالاستقراء في كلام العرب لم يحصل منه الرخصة في مثل هذه الافراد من الشباهة والسببية والمجاورة ونحوها لا أنه حصل الرخصة في نوعها بعمومه وخرج المذكورات بالدليل فلاحظ وتأمل إذا تقرر ذلك فنقول قد أورد على كون الاطراد دليل الحقيقة النقض بمثل أسد للشجاع فإنه مطرد ومجاز فيتخلف الدليل عن المدلول وعلى كون عدم الاطراد دليل المجاز النقض بمثل الفاضل والسخي فإنهما موضوعان لذات ثبت له الفضيلة والسخاء ولا يطلق عليه تعالى مع وجودهما فيه والقارورة فإنها موضوعة لما يستقر فيه الشئ ولا يطلق على غير الزجاجة وأجيب عن الثاني مضافا إلى ما ذكرنا بأن الفاضل موضوع لمن من شأنه الجهل والسخاء موضوع لمن من شأنه البخل فلا يشمله تعالى بالوضع والقارورة للزجاج لا كل ما يستقر فيه الشئ أقول والقارورة منقولة وقد ترك المعنى الأول وإلا لجاز الاطراد والتحقيق أن يقال إن أريد بكون عدم
(٢٦)