فاعرفهم بأعيانهم وصفاتهم: صنف يطلبه للجهل والمراء، وصنف يطلبه للاستطالة والختل، وصنف يطلبه للفقه والعقل. فصاحب الجهل والمراء موذ، ممار، متعرض للمقال في أندية الرجال، بتذاكر العلم وصفة الحلم، قد تسربل بالخشوع، وتخلى من الورع، فدق الله عن هذا (1) خيشومه، وقطع منه حيزومه. وصاحب الاستطالة والختل ذو خب وملق، يستطيل على مثله من أشباهه (2)، ويتواضع للأغنياء من دونه، فهو لحلوائهم (3) هاضم، ولدينهم حاطم، فأعمى الله على هذا خبره، وقطع من آثار العلماء أثره. وصاحب الفقه والعقل، ذو كآبة وحزن وسهر، قد تحنك (4) في برنسه، وقام الليل في حندسه (5)، يعمل و يخشى، وجلا، داعيا، مشفقا، مقبلا على شأنه، عارفا بأهل زمانه، مستوحشا من أوثق إخوانه. فشد الله من هذا أركانه، وأعطاه يوم القيامة أمانه " (6).
وعنه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعا، عن حماد بن عيسى، عن عمر بن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين، عليه السلام، يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " منهومان لا يشبعان: طالب دنيا و طالب علم; فمن اقتصر من الدنيا على ما أحل الله له سلم، ومن تناولها من غير حلها هلك، الا أن يتوب أو يراجع. ومن أخذ العلم من أهله (7) وعمل بعمله نجى (8)، ومن أراد به الدنيا فهي حظه " (9).
وعنه، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله، عليه السلام،