مفصله وإن استفاد أخرى مجملة، لأنه إذا قال: ﴿أقيموا الصلاة﴾ (١) و ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾ (2) فقد استفاد المخاطب أنه مأمور وقطع على ذلك، وأنه مأمور بعبادة هي صلاة أو صدقة، وإن شك في كيفيتها.
ثم يقال لهم: كيف توجبون أن يعلم المخاطب فائدة جميع ما يخاطب به قبل زمان الحاجة، ومراد المخاطب على جهة التفصيل، وإنكم تجوزون تأخير بيان مدة الفعل المأمور به عن وقت الخطاب، ولا توجبون ذلك وهو من فوائد الخطاب ومراد المخاطب، لأنه إذا قال: " صلوا " فظاهر هذا القول عندكم يتناول كل صلاة وكل زمان بلا حصر، فإذا أراد بذلك مدة معينة وإلى غاية منقطعة، وأخر بيانه في حال الخطاب، فقد أراد في حال الخطاب ما لم يبينه ويفصله، وهذا من هذا الوجه نظير المجمل ومثل الخطاب بالزنجية.
فإن قلتم: ليس يجب أن يبين في حالة الخطاب كل مراد له بالخطاب.
قلنا: أصبتم، فاقبلوا في الخطاب بالمجمل مثل ذلك، لأن الخطاب بالمجمل يستفاد منه فائدة معينة مفصلة، وإن لم يستفد على سبيل التفصيل جميع فوائده.
وإن قالوا: لا حاجة به إلى بيان مدة النسخ وغاية العبادة التي تخرج بالبلوغ إليها من أن تكون مصلحة، لأن ذلك بيان لما لا يجب أن يفعله، وهو غير محتاج إلى بيان ما لا يجب عليه أن يفعله، وإنما يحتاج في هذه الحال إلى بيان صفة ما يفعله، وكلف الإتيان به.
قلنا: هذا خروج منكم عن السنن (3) الذي كنا فيه، لأنكم أوجبتم البيان للمراد كله في حال الخطاب لأمر يتعلق بحسن الخطاب، فأوجبتم قبحه متى لم يعلم المخاطب فوائده كلها على التفصيل، فلما ألزمناكم بيان مدة النسخ عدلتم إلى شئ