أن يكون حسنا في كل خطاب.
فإن قيل: لو جاز أن يخاطب بالمجمل ولا يبين المراد في الحال، لجاز من العربي أن يخاطب غيره بالزنجية وإن لم يفهم منه شيئا أصلا (١).
فإن قلتم: المخاطب بالزنجية لا يفهم منه شيئا أصلا، والمجمل يستفاد منه أمر ما وهو أنه مأمور، ألا ترى أنه إذا قال تعالى: ﴿خذ من أموالهم صدقة﴾ (٢)، ﴿وأقيموا الصلاة﴾ (3)، وغير ذلك، فالمخاطب يستفيد أنه مأمور بأخذ صدقة من ماله وإن جهل مبلغه ووقف ذلك على البيان، وهو مكلف بالعزيمة على ذلك والانطواء عليه حتى يبين له، وكذلك في الصلاة يعلم أنه مكلف بفعل هو صلاة وعبادة، إلا أنه لا يعرف كيفية هذه العبادة، فهو منتظر بيانها، والخطاب بالزنجية بخلاف هذا كله.
قيل لكم: يمكن أنه جميع ما أخرجتموه في المجمل أن يكون في الزنجية، لأن الحكيم إذا خاطب بالزنجية للعربي فلا بد أن يقطع المخاطب على أنه عليه أن يعزم على فعل ما يبين له أنه أمره، به والكف عما لعله يبين له أنه نهاه عنه، ويوطن نفسه على ذلك وتتعلق مصلحته به، فأي فرق بين الأمرين؟
فإن فرقتم بين الأمرين بأن الفائدة بالزنجية أقل أو أشد إجمالا، جاز أن يقال لا اعتبار في حسن الخطاب بكثرة الفائدة، لأنه يحسن من الخطاب ما يخرجه من كونه عبثا، وقليل الفائدة ككثيرها.
والجواب عن ذلك: أن من المعلوم قبح خطاب العربي بالزنجية كما ذكرتم، كما أن من المعلوم الذي لا يختلف العقلاء فيه حسن الخطاب بالمجمل في الموضع الذي ذكرناه، وإذا ثبت ما ذكرناه وقبح ما ذكروه، احتجنا أن ننظر في ذلك ونعلل